خطبة الجمعة "بالتي هي أحسن" ومبادرات وزارة الأوقاف المصرية: نحو مجتمع متسامح ومسؤول

مقدمة: في إطار سعيها المستمر لتجديد الخطاب الديني ومعالجة أبرز القضايا المجتمعية، أعلنت وزارة الأوقاف المصرية عن موضوع خطبة الجمعة ليوم 17 أكتوبر 2025، وهو "بالتي هي أحسن". تأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة مبادرات تهدف إلى تعزيز قيم التسامح، والحوار البناء، والمسؤولية المجتمعية، إضافة إلى مواجهة خطاب الكراهية والتطرف. يستعرض هذا المقال المحاور الرئيسية لهذه الخطبة، ويوضح أهدافها، ويسلط الضوء على مبادرات الوزارة المتنوعة التي تساهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا وتماسكًا.

"بالتي هي أحسن": دعوة لترسيخ قيم الحوار والتسامح

ركزت خطبة الجمعة على الأهمية الكبرى لأدب الحوار والتعامل بالحكمة والموعظة الحسنة داخل المجتمع، مؤكدة أن الاختلاف سنة كونية طبيعية، وأن جوهر الإسلام يدعو إلى التعامل مع المخالفين بالرحمة واللين، بعيدًا عن منهج التحكم والصدام. تُعد عبارة "بالتي هي أحسن" منهجًا قرآنيًا أصيلًا، وقد وردت في مواضع متعددة بالقرآن الكريم لتؤكد على أهمية التعامل الراقي والمتحضر، مثل قوله تعالى في سورة النحل: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (سورة النحل: 125)، وقوله تعالى في سورة فصلت: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (سورة فصلت: 34). لم تتوقف الخطبة عند الجانب النظري فحسب، بل استعرضت أيضًا المنهج النبوي في الحوار، مقدمة مواقف نبوية عملية في احتواء الخلافات، مما يمثل قدوة حقيقية للتعامل الأمثل مع الآخرين.

وفي سياق متصل، حذرت الخطبة من خطر التطرف، موضحة أن الجماعات المتطرفة حولت التنوع إلى تهديد وجودي، بينما يمثل التنوع في حقيقته قوة وإثراءً للمجتمع. كما وضحت الخطبة آداب الحوار الأساسية التي تُعد صمام أمان للمجتمعات، ومنها:

• الصدق في النية عند طلب الحق.
• حسن الاستماع وتفهم وجهات النظر الأخرى.
• تجنب السخرية والتعالي على الآخرين.

مواجهة قضايا مجتمعية حيوية: مكافحة التحرش وترسيخ المسؤولية المجتمعية

لم تكتفِ خطبة الجمعة بتناول الجانب الأخلاقي للحوار، بل تطرقت أيضًا إلى قضايا مجتمعية ملحة وخطيرة، ومن أبرزها جريمة التحرش. وأكدت الخطبة على ضرورة التصدي الفعال لهذه الجريمة، مع التركيز على الدور المحوري للأسرة والمدارس في غرس القيم الأخلاقية السامية التي تحمي الأفراد والمجتمع من هذه الآفة المدمرة. تؤكد الإحصائيات الحديثة على الأهمية البالغة لهذه الجهود، حيث كشفت دراسة أجرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن 76.5% من النساء في مصر تعرضن للتحرش اللفظي أو الجسدي. تسعى الوزارة، من خلال هذه الخطب والمبادرات التوعوية، إلى زيادة الوعي بخطورة هذه الظاهرة وتقديم الدعم النفسي والقانوني للضحايا، وذلك بالتعاون الوثيق مع الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني.

مبادرة "صحح مفاهيمك": تعزيز الوعي المجتمعي وغرس الانتماء

بالتوازي مع خطب الجمعة، تطلق وزارة الأوقاف المصرية مبادرات نوعية أخرى تهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي وتصحيح المفاهيم الخاطئة. ومن أبرز هذه المبادرات التي لاقت استحسانًا واسعًا، حتى في المجتمعات الناطقة بالسواحيلية، هي مبادرة "صحح مفاهيمك". تُنفذ هذه المبادرة من خلال ورش عمل مكثفة ومحاضرات توعوية في المساجد والمدارس والمراكز الشبابية، وتعتمد على مواد إعلامية مبسطة ومتاحة للجميع لضمان وصول رسالتها لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع.

تركز هذه المبادرة بشكل أساسي على:

• مكافحة السلوكيات السلبية، مثل الإهمال في التعامل مع الممتلكات العامة.
• تعزيز القيم الإيجابية، وأبرزها الحفاظ على الممتلكات العامة، باعتبارها:
• مؤشرًا حضاريًا على مستوى الوعي والتنمية في المجتمع.
• ملكًا مشتركًا لجميع المواطنين ورمزًا للوحدة الوطنية.
• واجبًا وطنيًا ودينيًا وأخلاقيًا يستوجب الرعاية.

وتسعى الوزارة من خلال هذه المبادرة إلى نشر القيم الإيجابية وترسيخ الانتماء للوطن، وغرس مفاهيم المواطنة الصالحة لدى الأفراد.

الخلاصة: الأوقاف المصرية ودورها في بناء مجتمع واعٍ ومسؤول

تعكس مبادرات وزارة الأوقاف المصرية، وعلى رأسها خطبة الجمعة حول "بالتي هي أحسن" ومبادرة "صحح مفاهيمك"، التزامًا حقيقيًا بتجديد الخطاب الديني ومعالجة القضايا المجتمعية الملحة بفاعلية. من خلال التركيز على قيم التسامح، والحوار البناء، والمسؤولية المجتمعية، تسعى الوزارة إلى بناء الإنسان وتنمية المجتمع في آن واحد. وتوضح هذه المبادرات الدور الحيوي للمؤسسات الدينية في تشكيل الوعي الجمعي وتعزيز السلوكيات الإيجابية، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وسلاماً وازدهاراً.

• ترسيخ قيم المواطنة الصالحة والانتماء للوطن بعمق.
• مواجهة التطرف والسلوكيات السلبية من خلال التوعية الدينية السليمة والتوجيه الفعال.