جدل حول ترشيح يائير نتنياهو للمنظمة الصهيونية: هل تتفكك الصهيونية؟
جدل ترشيح يائير نتنياهو للمنظمة الصهيونية العالمية: أزمة صهيونية تتفاقم
مقدمة الأزمة: أثار ترشيح يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لشغل منصب مدير الإعلام في المنظمة الصهيونية العالمية جدلاً واسعًا وانتقادات حادة داخل الأوساط الإسرائيلية والدولية. لم تقتصر هذه القضية على اتهامات واضحة بالمحسوبية واستغلال النفوذ العائلي، بل تعدتها إلى طرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الحركة الصهيونية ذاتها، خصوصًا مع تصاعد اتهامات التطرف والعنصرية.
المنظمة الصهيونية: تُصنف المنظمة الصهيونية العالمية (WZO) كمنظمة غير حكومية بارزة، وتكرس جهودها لتعزيز الفكر الصهيوني في جميع أنحاء العالم. تأسست هذه المنظمة التاريخية عام 1897 على يد تيودور هرتزل، وكان هدفها المحوري هو تأسيس دولة يهودية مستقلة في فلسطين. عبر تاريخها الطويل، تطورت المنظمة لتصبح المظلة الشاملة التي تجمع الحركة الصهيونية العالمية، وتواصل العمل على دعم دولة إسرائيل وتعزيز الهوية اليهودية في مناطق الشتات. المصدر
اتهامات بالمحسوبية وتصعيد النفوذ العائلي
مخاطر المنصب: يحمل المنصب المُقترح ليائير نتنياهو مزايا تعادل رتبة وزير، مما فاقم حدة الانتقادات الموجهة إليه. رفضت المعارضة الإسرائيلية، بقيادة يائير لابيد، هذا القرار بشدة، واصفة إياه بأنه استغلال واضح للنفوذ السياسي وشكل من أشكال الفساد. لم يقتصر الجدل على الجانب السياسي فحسب، بل امتد ليشمل تساؤلات حول مؤهلات يائير نتنياهو الحقيقية لشغل هذا المنصب الرفيع، خاصةً بالنظر إلى شهرته بنشاطه المثير للجدل على وسائل التواصل الاجتماعي وتبنيه المستمر لمواقف يمينية متطرفة، والتي أحدثت انقسامات مجتمعية. في المقابل، دافع وزير الثقافة ميكي زوهار عن ترشيح يائير نتنياهو، متهمًا المعارضة بالنفاق السياسي وواصفًا الانتقادات بأنها حملة اضطهاد منظمة ضد عائلة نتنياهو. نتيجة للضغط الشعبي والسياسي المتزايد، أدت اللجنة الدائمة للمنظمة الصهيونية العالمية إلى تأجيل التصويت على التعيين، مع توقع استئناف المناقشات حول هذه القضية لاحقًا في القدس.
"هرتزل يتقلب في قبره": رمزية التعيين والانتقادات اللاذعة
رؤية هرتزل الأصلية
تأسيس دولة يهودية مستقلة مبنية على مبادئ.
الانتقادات الحالية
اتهامات بالمحسوبية واستغلال النفوذ العائلي.
حدة الانتقادات: تصاعدت حدة الانتقادات لترشيح يائير نتنياهو لتصل إلى مستوى القول بأن مؤسس الحركة الصهيونية، تيودور هرتزل، "يتقلب في قبره" بسبب هذا التعيين المثير للجدل. هذه العبارة البليغة تعكس شعورًا عميقًا بالإحباط وخيبة الأمل إزاء التحول الجذري الذي شهدته الحركة الصهيونية، حيث يرى منتقدوها أنها انحرفت بشكل كبير عن مبادئها التأسيسية. يُنظر إلى ترشيح يائير نتنياهو تحديدًا على أنه محاولة واضحة لتحويل المنظمة الصهيونية العالمية إلى مجرد أداة لخدمة مصالح عائلة نتنياهو السياسية، الأمر الذي يقوض مصداقيتها الدولية ودورها التاريخي ككيان يمثل اليهود حول العالم.
المؤتمر الصهيوني العالمي: انعكاس لأزمة أعمق
توقيت الجدل: تزامن الجدل الدائر حول ترشيح يائير نتنياهو مع انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي في القدس المحتلة، وهو حدث كشف بوضوح، بحسب العديد من المراقبين، عن انعكاس لأزمة أعمق وأكثر تعقيدًا تعاني منها الحركة الصهيونية. لفت غياب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن هذا المؤتمر الهام الأنظار، خاصة وأن حزبه "الليكود" كان يسعى بقوة لدفع تعيين ابنه في منصب حاسم، الأمر الذي أثار تساؤلات جدية حول الأولويات الحقيقية للحكومة الإسرائيلية وتوجهاتها المستقبلية. علاوة على ذلك، سلط المؤتمر الضوء على المشكلات المتزايدة التي تواجهها الجاليات اليهودية في الغرب، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث أثيرت شكوك عديدة حول صحة عملية انتخاب بعض المندوبين المشاركين.
الصهيونية في مرحلة ما بعد الإبادة والعزلة الدولية
تحديات الصهيونية الحديثة
عزلة دولية متزايدة: بعد حرب الإبادة في غزة.
انقسامات داخلية عميقة: حول مستقبل الحركة الصهيونية.
انتشار التطرف والعنصرية: في الخطاب الرسمي والسياسات.
ظروف الانعقاد: انعقد هذا المؤتمر الصهيوني في ظل ظروف دولية بالغة الصعوبة، وجاء ذلك عقب حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الوحشية في غزة، والتي أسفرت عن عزلة دولية متزايدة وتفاقم الانتقادات للصهيونية. لم تقتصر المشكلات على الجانب الخارجي فحسب، بل كشفت المناقشات الداخلية عن انقسامات عميقة بشأن مستقبل الحركة الصهيونية، خاصةً مع الانتشار المقلق للتطرف والعنصرية في خطابها الرسمي وسياساتها المتبعة. انتقد المراقبون الدوليون الجو العام للمؤتمر بشدة، واصفين إياه بأنه مفرغ من جوهر التداول الديمقراطي الحقيقي، حيث علت أصوات صريحة تدعو إلى العنف والتطرف الأيديولوجي.
نقد فكرة "الدولة اليهودية" وغياب الديمقراطية
نقد جوهر الفكرة: لم يقتصر النقد الشديد خلال المؤتمر على الجوانب السياسية والإدارية فحسب، بل امتد ليطال جوهر فكرة "الدولة اليهودية" نفسها. يرى العديد من المنتقدين أن محاولة ترقية هذه الفكرة في الظروف الراهنة تعني الانحدار بها إلى مستويات أكثر فاشية وعنصرية وإبادية، وذلك خاصةً في ظل التجاهل الصارخ لحقوق الفلسطينيين وتصاعد العنصرية المؤسسية بشكل مقلق. بالإضافة إلى ذلك، انتقدت أصوات متعددة، سواء من داخل المؤتمر أو خارجه، الغياب التام لأي حوار ديمقراطي حقيقي وفعال، الأمر الذي يكشف عن أزمة هوية عميقة ومتفاقمة داخل الحركة الصهيونية ككل.
يائير نتنياهو: شبح الحاضر بدلًا من حلم الماضي
خلاصة الموقف: في المحصلة النهائية، يمثل حضور يائير نتنياهو في هذا السياق السياسي المعقد، بحسب الكاتب والمحلل صبحي حديدي، "شبح الحاضر والمستقبل المضرّج بدماء الأبرياء"، وهو تناقض صارخ مع حلم الماضي الوردي الذي جسده المؤسس تيودور هرتزل. هذا التناقض الواضح لا يعكس فقط أزمة عميقة ومتنامية داخل الحركة الصهيونية، بل يسلط الضوء أيضًا على تزايد مقلق في التطرف والعنصرية، واستمرار التجاهل لحقوق الفلسطينيين المشروعة. وعلى الرغم من تأجيل التصويت على تعيين يائير نتنياهو، فإن هذا الجدل برمته قد كشف عن انقسامات حادة وعميقة داخل المجتمع الإسرائيلي وخارجه، وأثار تساؤلات جادة وملحة حول مستقبل الحركة الصهيونية الحقيقي ودورها المتغير في المنطقة والعالم.