تعيين الشيخ صالح الفوزان مفتياً عاماً للمملكة العربية السعودية: نظرة شاملة

مقدمة: في إطار قرار ملكي بالغ الأهمية، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بتاريخ 23 أكتوبر 2025 أمراً ملكياً بتعيين فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله الفوزان في منصب مفتي عام المملكة العربية السعودية. يشغل الشيخ الفوزان بموجب هذا التعيين أيضاً رئاسة هيئة كبار العلماء والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وذلك بمرتبة وزير. يأتي هذا القرار بناءً على اقتراح من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.

يعتبر الشيخ الفوزان رابع مفتي عام للمملكة منذ إقرار هذا المنصب، خلفاً لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ الذي وافته المنية في سبتمبر 2025.

تاريخ منصب مفتي عام المملكة العربية السعودية وتطوره

يرتبط تأسيس منصب المفتي العام بالمملكة العربية السعودية بعهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود. فقد أدرك الملك عبد العزيز ضرورة وجود مرجعية دينية عليا تتولى توجيه الأمة وإصدار الفتاوى الشرعية المستنيرة. تأسس هذا المنصب الهام رسمياً في عام 1953، ومرّ بمراحل تطور مختلفة على مر العقود، حيث شغلته شخصيات بارزة، خاصة من عائلة آل الشيخ المعروفة بعلمها.

من المهم الإشارة إلى أن منصب المفتي العام شهد فترة توقف من عام 1969 وحتى عام 1993، ليُعاد إحياؤه بعد ذلك. يظل هذا المنصب حجر الزاوية في الهيكل الديني للمملكة، ممثلاً صوتاً دينياً معتدلاً وموثوقاً به، ليس فقط على المستوى المحلي، بل عالمياً أيضاً.

ما هو منصب المفتي العام؟ تعريف ومهام

يُعرف المفتي العام (ويُشار إليه كذلك بـ كبير المفتين، أو مفتي الدولة، أو المفتي الأعلى) بأنه اللقب الذي يُمنح لأبرز فقيه إسلامي، غالباً ما يكون سنّياً، في أي بلد إسلامي، حيث يتولى الإشراف على إصدار الفتاوى الشرعية. يعتبر المفتي العام المرجع الأعلى للسلطة الدينية والقانونية في بلاده، ويقع على عاتقه مسؤولية توجيه المجتمع دينياً والإجابة عن الاستفسارات الفقهية المعاصرة. المصدر: ويكيبيديا

الشيخ صالح الفوزان: سيرة ومسيرة علمية ودينية حافلة بالمملكة

وُلد فضيلة الشيخ صالح الفوزان ونشأ في بيئة تتميز بالعلم الشرعي والتدين، حيث تلقى تعليمه الشرعي على أيدي نخبة من كبار العلماء الأجلاء في المملكة العربية السعودية، ومن أبرزهم:

• فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (المفتي العام الأول للمملكة العربية السعودية).
• فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز (المفتي العام الثاني)، الذي كان له بالغ الأثر في تشكيل مسيرة الشيخ الفوزان في ميادين الفتوى والإرشاد الديني.
• فضيلة الشيخ عبد الرحمن السعدي (فقيه وعالم إسلامي بارز).
• فضيلة الشيخ عبد الله بن حميد (الرئيس السابق للمحكمة العليا).

تضمنت المسيرة المهنية لفضيلة الشيخ صالح الفوزان عدداً من المحطات البارزة، أبرزها:

• التدريس الأكاديمي في العديد من المعاهد العلمية والكليات الشرعية المتخصصة.
• عضوية اللجنة الدائمة للإفتاء التابعة لهيئة كبار العلماء والمجمع الفقهي الإسلامي.
• المساهمة الفاعلة في إثراء المكتبة الإسلامية عبر تأليف العديد من الكتب والمؤلفات والدراسات الفقهية المتنوعة، الأمر الذي منحه مكانة علمية مرموقة واحتراماً واسعاً في الأوساط الدينية والعلمية.

تعيين الشيخ صالح الفوزان خلفاً للمفتين السابقين ودوره

يأتي تعيين فضيلة الشيخ صالح الفوزان في منصب مفتي عام المملكة خلفاً لفضيلة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ (الذي توفي في سبتمبر 2025)، ليُصبح بذلك الرابع في السلسلة التاريخية لمشايخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية، بعد كل من:

• فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (1953–1969).
• فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز (1993–1999).
• فضيلة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ (1999–2025).

هذا التعيين يحمل في طياته مسؤولية جسيمة للحفاظ على المكانة الدينية للمملكة ودورها كمرجع إسلامي معتدل ورائد، خاصة في مواجهة التحديات الفكرية والمعاصرة التي تواجه الأمة الإسلامية.

الأهمية الاستراتيجية لمنصب مفتي عام المملكة العربية السعودية

وصف توضيحي للصورة: مبنى مكتب المفتي العام في بلغاريا.

اسم الصورة: المصدر: Wikimedia Commons. الترخيص: CC.

يُعتبر منصب المفتي العام ركيزة أساسية ضمن النظام الديني والتشريعي في المملكة العربية السعودية، حيث يضطلع بعدة مهام محورية، منها:

• إصدار الفتاوى الشرعية الدقيقة في مختلف القضايا المستجدة التي تهم الأمة الإسلامية، سواء داخل المملكة أو خارجها.
• توجيه المجتمع نحو الالتزام بالقيم الإسلامية الصحيحة وتعزيز مفاهيم الوحدة الوطنية والتكاتف.
• تمثيل المملكة العربية السعودية كمرجع ديني موثوق ومرموق على الصعيد الدولي، خصوصاً فيما يتعلق بشؤون الفتوى والتشريعات الإسلامية.

خاتمة: الدور المستقبلي لمفتي عام المملكة الشيخ صالح الفوزان

في الختام، يمثل تعيين فضيلة الشيخ صالح الفوزان مفتياً عاماً للمملكة العربية السعودية خطوة استراتيجية محورية لترسيخ وتعزيز مكانة المملكة كمنارة للإسلام المعتدل والوسطي. تتجلى أهمية هذا التعيين في المسيرة العلمية والخبرة الطويلة للشيخ الفوزان، مما يؤهله لقيادة هذا المنصب الديني الحيوي بكفاءة واقتدار.

ومع استمرار التحديات الدينية والفكرية المعاصرة، يضطلع الشيخ الفوزان بأمانة عظيمة تتمثل في الحفاظ على الإرث العلمي الشرعي للمملكة وتقديم الإرشاد السليم والمستنير للمسلمين في شتى بقاع العالم.