الرسول معلمًا: خطبة الجمعة المصرية تدعو لتجديد التعليم وبناء الأمة بالعلم
النبي محمد معلمًا: أهمية العلم في بناء الأمة وتطوير التعليم برؤية مصرية متكاملة
مقدمة: في مبادرة تعكس التزامًا عميقًا بقيمة العلم والتربية في بناء المجتمعات، أعلنت وزارة الأوقاف المصرية عن تخصيص خطبة الجمعة ليوم 18 سبتمبر 2025 للحديث عن "الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم". يأتي هذا التخصيص متزامنًا مع انطلاق العام الدراسي الجديد، بهدف إيصال رسالة واضحة وشاملة لكافة أطياف المجتمع – الطلاب، أولياء الأمور، المعلمين، والمؤسسات – حول الأهمية القصوى للعلم ودوره المحوري في تحقيق نهضة الأمة وتقدمها، مستلهمين بذلك القدوة النبوية العظيمة في مجال التعليم والتربية.
يؤكد اختيار وزارة الأوقاف لمثل هذه الموضوعات إدراكها الكامل للدور الحيوي الذي يؤديه التعليم في تشكيل الأفراد وتطوير المجتمعات. وفي هذا السياق، تولي الدولة المصرية اهتمامًا متزايدًا بتطوير منظومتها التعليمية، إذ تسعى رؤية مصر 2030 إلى إرساء نظام تعليمي حديث يواكب المعايير العالمية، ويعزز روح الابتكار وريادة الأعمال بين الشباب.
الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم: القدوة النبوية في التعليم والتربية

تُسلط خطبة الجمعة الضوء على أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان معلماً حكيمًا وقدوة تربوية عظيمة، لم يقتصر دوره على القيادة الدينية والسياسية، بل امتد ليشمل اهتمامًا بالغًا بنشر العلم والمعرفة بين أصحابه، وحثهم على طلبه والسعي الحثيث لامتلاكه. تستند الخطبة إلى حديث النبي الشريف: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، مؤكدة أن العلم هو طريق الأنبياء والأولياء، ولا يُنال إلا بالجد والاجتهاد والمثابرة المستمرة. وتبرز الخطبة أن استلهام هذه القدوة النبوية المباركة يعد حجر الزاوية الأساسي في بناء جيل واعٍ ومثقف، يمتلك القدرة على قيادة الأمة نحو مستقبل مزدهر.
يُعد حديث "طلب العلم فريضة على كل مسلم" من الأحاديث النبوية الشريفة المشهورة، وقد ورد في سنن ابن ماجه، ليؤكد بذلك على الأهمية القصوى لطلب العلم في الإسلام. لم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بالحث على طلب العلم فحسب، بل ابتكر أساليب تعليمية فريدة تركت بصمتها، منها:
- التعليم بالقدوة الحسنة: كان صلى الله عليه وسلم يجسد ما يعلمه قولًا وعملًا، ليُصبح بذلك خير مثال يُحتذى به لأصحابه.
- التعليم بالمحاورة وطرح الأسئلة: كان يحاور أصحابه بفاعلية ويسألهم، بهدف تحفيز التفكير النقدي لديهم وفتح آفاق جديدة للمعرفة، كما في سؤاله عن المفلس الحقيقي.
- التعليم بالقصص والأمثال: استخدم النبي الأمثال والقصص لتوضيح المعاني العميقة وتثبيتها في الأذهان بشكل مؤثر.
- التعليم بالترغيب والترهيب: كان يحفز أصحابه على فعل الخير ويحذرهم من الشر بأسلوب بليغ ومؤثر يلامس القلوب.
- التدرج في التعليم: اتبع صلى الله عليه وسلم منهج التدرج في تعليم الأمور، مراعيًا بذلك قدرات واستيعاب كل فرد، تمامًا كما نزل القرآن الكريم مفرقًا.
تُعد هذه الأساليب التربوية النبوية المبتكرة نماذج يحتذى بها في العملية التعليمية المعاصرة، إذ تساهم بفعالية في بناء شخصية متكاملة، قادرة على التفكير النقدي، الإبداع، وحل المشكلات.
العلم والتربية الشاملة: ركيزتان أساسيتان لبناء الإنسان المسلم الواعي

لا تقتصر الأهمية التي تُبرزها خطبة الجمعة على فضل العلم المجرد فحسب، بل تمتد لتشمل التربية الشاملة ودورها الحيوي في بناء الإنسان المسلم الواعي والمثمر. فالتربية تتجاوز مجرد تلقين المعلومات لتصبح عملية متكاملة تهدف إلى تنمية العقل والروح والأخلاق، وغرس القيم الإيجابية السامية في نفوس الأبناء. تدعو الخطبة إلى توعية المجتمع بأكمله بأهمية هذه العملية التربوية الجوهرية، وتحث أولياء الأمور والمعلمين على غرس حب العلم والإبداع في قلوب وعقول الأبناء، مؤكدةً أن العلم نور وهداية يضيء دروب الفرد والمجتمع نحو الرشاد.
يؤكد القرآن الكريم باستمرار على أن العلم بمثابة نور يبدد ظلمات الجهل ويضيء الدروب، كما جاء في قوله تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" (سورة الزمر، الآية 9). هذا المفهوم القرآني يؤسس لتكامل أساسي بين العلم النافع والتربية الصالحة؛ فالإنسان المتعلم الذي يفتقر إلى الأخلاق أشبه بسفينة بلا دفة، قد يضل طريقه بسهولة. لذلك، فإن بناء الإنسان المسلم الواعي يقتضي تزويده بالمعارف والمهارات الضرورية، إلى جانب تفعيل وتعميق القيم الأخلاقية والإنسانية، لضمان حياة كريمة له وللآخرين، ولتمكينه من المساهمة الفاعلة في مجتمعه.
دور أولياء الأمور والمعلمين المحوري في بناء مستقبل التعليم والتربية

تُولي خطبة الجمعة اهتمامًا بالغًا للدور المحوري الذي يضطلع به أولياء الأمور والمعلمون في العملية التعليمية والتربوية. فأولياء الأمور يحملون مسؤولية توفير البيئة التعليمية المناسبة لأبنائهم، مما يشجعهم على الدراسة والتعلم والتفوق. بينما يُعد المعلمون هم القادة التربويون الحقيقيون الذين يوجهون الأبناء نحو مستقبل مشرق، ويسهمون بفاعلية في بناء جيل واعٍ ومدرك. تدعو الخطبة إلى تحقيق التكامل الفعال بين الأسرة والمدرسة لتنمية قدرات الأبناء بشكل شامل، وتوجيههم نحو تحقيق طموحاتهم وأهدافهم، مؤكدة على أن التعليم مسؤولية مجتمعية مشتركة تقع على عاتق جميع أركان المجتمع.
لتحقيق هذا التكامل المنشود، يمكن لأولياء الأمور والمعلمين تبني خطوات عملية ومثمرة:
- التواصل المستمر والفعال: يجب إقامة قنوات تواصل منتظمة وشفافة بين أولياء الأمور والمعلمين لمتابعة تقدم الطالب، وتحديد نقاط قوته وضعفه بدقة.
- خلق بيئة تعليمية منزلية داعمة ومحفزة: ينبغي تشجيع القراءة وتوفير مكان هادئ ومناسب للدراسة في المنزل، مما يعزز حب الطالب للعلم والشغف بالتعلم.
- المشاركة النشطة في الأنشطة المدرسية: يرسل انخراط أولياء الأمور في فعاليات المدرسة رسالة إيجابية قوية للأبناء حول القيمة والأهمية التي يوليها الأهل للتعليم.
- تشجيع التفكير النقدي والإبداع: بدلًا من الاكتفاء بالتلقين، يجب حث الطلاب على طرح الأسئلة، البحث عن الإجابات، وتطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي لديهم.
- التعاون الفعال في حل المشكلات: عند مواجهة الطالب لأي صعوبات، يجب أن يعمل الأهل والمعلمون جنبًا إلى جنب لإيجاد حلول فعالة ومبتكرة تخدم مصلحة الطالب.
تجديد دوافع النجاح والابتكار في التعليم: نحو أمة مزدهرة ومتطورة

مع حلول العام الدراسي الجديد، تسعى خطبة الجمعة إلى تجديد دوافع النجاح والابتكار لدى الطلاب والمعلمين على حد سواء. فالعلم لا يمثل مجرد وسيلة للحصول على وظيفة، بل هو القوة الدافعة للتقدم والتطور والازدهار المجتمعي. تدعو الخطبة بشكل حازم إلى:
- تطوير المناهج التعليمية بشكل مستمر لتتواكب مع متطلبات العصر المتغيرة.
- تشجيع الإبداع والابتكار كركيزة أساسية في العملية التعليمية.
- توحيد الجهود المجتمعية بين الأسرة والمدرسة والمؤسسات التعليمية المختلفة، بهدف تنشئة جيل جديد قادر على مواجهة تحديات المستقبل بثقة وكفاءة.
يؤكد التقرير العالمي لرصد التعليم لليونسكو لعام 2021 بوضوح أن الابتكار في التعليم يعد أمرًا حيويًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة العالمية. لذا، فإن تطوير المناهج الدراسية يجب أن يتجاوز مجرد إضافة مواد جديدة، ليشمل تغييرًا جذريًا في طرائق التدريس والتقييم، مع تركيز مكثف على المهارات الأساسية التي يحتاجها سوق العمل المستقبلي، مثل التفكير النقدي، القدرة على حل المشكلات المعقدة، والإبداع. يتطلب هذا التحول استثمارات كبيرة في برامج تدريب المعلمين المتخصصة، وتوفير الموارد التعليمية الحديثة والمتطورة، فضلًا عن تعزيز ثقافة البحث العلمي والابتكار بين الطلاب منذ المراحل التعليمية الأولى.
خاتمة: إن خطبة الجمعة الموحدة التي أقرتها وزارة الأوقاف المصرية تحت عنوان "الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم" تُمثل مبادرة استراتيجية وهامة تهدف إلى ترسيخ قيم العلم والتربية الأصيلة في نسيج المجتمع. من خلال استلهام القدوة النبوية العظيمة، والتركيز الفعال على الدور الجوهري للأسرة والمدرسة، وتجديد دوافع النجاح والتميز، يمكننا بالفعل بناء جيل واعٍ، مثقف، ومبدع، قادر على قيادة الأمة بثبات نحو مستقبل مشرق ومزدهر. وبالتالي، فإن الاستثمار المتواصل في العلم والتعليم هو الاستثمار الحقيقي والأمثل في مستقبل أمتنا ومستقبل أجيالنا الصاعدة.