الجحيم نحن: حرب لا تُفهم وألغاز تدمر العقل
"الجحيم نحن": استكشاف عميق ومبهر لأهوال الصراع
الغموض والتشويق في بداية اللعبة
تُقدم لعبة "الجحيم نحن" (Hell Is Us) تجربة افتتاحية مليئة بالغموض والتشويق، حيث تغمر اللاعب مباشرة في قلب حرب أهلية معقدة تدور بين فصيلتي "البالوميست" و"السابينيان". تتخلل اللعبة مصطلحات غريبة مثل أسلحة "ليمبيك" وأجهزة كشف "غارديان". وتُبرز حالة الدهشة المطلقة التي تسيطر على اللاعب من خلال الألواح الحجرية الغامضة المنتشرة في عالمها المستوحى من شرق أوروبا، والذي يبدو مدمرًا بالكامل، حيث تتعذر قراءة النقوش عليها. خلال المراحل الأولى، التي تبدأ بغابة رطبة ثم تتطور إلى مستنقعات آسنة، يزداد الغموض ويتلاشى الفهم بشكل مقصود.
من خلال هذا الأسلوب القصدي في إثارة الغموض، تستدعي لعبة "الجحيم نحن" إلى الأذهان ألعاب "سولز-بورن" البارزة للمطور هيديتاكا ميازاكي، مثل "إلدن رينج". عالم اللعبة غني بالرموز المخفية، والألغاز المحيرة، والتاريخ الغامض. حتى نظام القتال يعكس الإيقاع المميز لألعاب ميازاكي: حيث تتناقص القدرة على التحمل مع كل هجمة قوية، ولا يتم استعادتها إلا أثناء التراجع الاستراتيجي أو الذعر.
لكن التشابهات مع ألعاب "فروم سوفتوير" لا تتجاوز هذا النطاق. تُعد "الجحيم نحن" أيضًا لعبة تحقيق متعمقة: حيث يُمنح اللاعب جهاز بيانات مستقبلي بتصميم عتيق ومثير للاهتمام، يضم موسوعة معلومات مصغرة ومخططات تشبه شبكة العنكبوت مليئة بمسارات للبحث والتقصي. لحل الألغاز المعقدة في اللعبة، قد تحتاج إلى الاحتفاظ بقلم وورقة جاهزين!
عالم "هادي": الحرب، الدمار، والكارثة
وكما يوحي اسمها، فقد تحولت دولة "هادي" الخيالية إلى جحيم من الحرب والدمار. تصور الساعات الافتتاحية للعبة العواقب الوخيمة لفرق الإعدام والجثث المعلقة من الأشجار. بالقرب من ذلك، يعزف جندي لحنًا حزينًا على كمان. تتجول مخلوقات بيضاء غريبة في المستنقعات والسهول العاصفة؛ وتنبض كرات عملاقة شائكة تُعرف بـ "الحلقات الزمنية" (Time Loops). هذه التشوهات الزمنية والمكانية الشاذة هي نتاج لما يُسمى بـ "الكارثة"، ومهمة البطل ريمي، المحقق الباحث عن المغامرة، هي إزالة هذه الحلقات الزمنية من الوجود.
في البداية، تبدو تصميمات اللعبة مزيجًا من الأساليب البصرية المتنوعة: مناظر طبيعية كئيبة، مخلوقات شبيهة بالدمى، أزياء تقنية متطورة، وسيوف عملاقة تنافس سيف كلاود سترايف في "فاينل فانتسي 7". لكنها تبدأ بالتماسك ببطء، لتكتسب جودة سامية ومسكونة مشبعة بمنطق الأحلام. وتزداد الغرابة بسبب الكثافة الهائلة للألغاز الغامضة. أي عالم مجنون يمكن أن يكون موطنًا لهذا العدد الكبير من الألغاز السحرية؟!

التعليق: صورة ظلية لرأس شخص أمام رف كتب مليء بالكتب، ترمز إلى تراكم المعرفة والمعلومات.
المصدر: “رأس في مكتبة” — المصدر: Pixabay. الترخيص: Pixabay License.
رمزية الأعداء وتفسيرات المعركة
تحتوي "الجحيم نحن" على الكثير من العناصر التي تستدعي المعالجة، ويمتد هذا إلى أعدائها الذين يستدعون، إذا كانوا أقوياء بشكل خاص، كائنات داعمة عبر حبل سري ميتافيزيقي غريب. أحدهما مخلوق بشري أبيض، والآخر عدو هندسي ذو ألوان زاهية. وهناك تعقيد إضافي، حيث يتوافق كل لون مع عاطفة محددة: الأزرق للحزن، الأخضر للرعب، وهكذا دواليك. هذه الاستعارة، على الرغم من كونها قد تبدو مبتذلة بعض الشيء، إلا أنها قوية. هؤلاء الأعداء هم تجسيدات مادية للركام العاطفي للحرب. يتجولون في المناظر الطبيعية، ويمنحونها جودة سريالية ونفسية عميقة. لكن الرمزية محدودة بعض الشيء: كيف يمكن وضع حد للحزن بين الأجيال؟ وفقًا للعبة "الجحيم نحن"، يتم ذلك عن طريق شقه إلى قسمين باستخدام فؤوس يغذيها الغضب.
نقاط القوة والضعف في السرد والتنفيذ
هنا يتجلى اتساع الطموح والخيال، لكن التنفيذ غير متساوٍ. خذ بطلنا، الذي يبدو رائعًا في معطفه المقاوم للمطر المتطاير، لكنه يتحدث كنسخة أكثر فظاظة وسخرية من عدد لا يحصى من الأبطال الذكور في ألعاب أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. عند التحديق في كومة عظام بشرية بحجم كاتدرائية، يتأمل ريمي (الذي يلعب دوره إلياس توفيكسيس، المعروف أيضًا باسم آدم جينسن من سلسلة Deus Ex) بصوت عالٍ: قد يكون السابينيون هم الضحايا هنا، لكن المنطقة مليئة أيضًا بقبور البالوميست. إنه سطر غريب ومزعج، لإجراء هذا النوع من التكافؤ عند مواجهة مثل هذه الخسارة الهائلة.
بعد الساعات الافتتاحية المذهلة والمربكة، تفقد "الجحيم نحن" بعض الزخم. تظل "هادي" بيئة آسرة طوال اللعبة؛ والرغبة في كشف ألغازها المتشابكة لا تتلاشى أبدًا. لكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن الطبقات السردية الأخرى، سواء رحلة ريمي الشخصية لاكتشاف مصير والديه والمكان الذي فر منه وهو طفل صغير، أو ماهية "الكارثة" بالضبط. الغرض من الأولى هو دفع اللاعب للاستكشاف، لكنها لا تثير الاهتمام. وبدون الإثارة السردية المطلوبة، تتحول الحبكة إلى مجرد فتح سلسلة من الأبواب المزينة برموز مزخرفة. في إحدى النقاط، يلخص أحد الشخصيات الحبكة النثرية دون قصد: "لقد وجدت بابًا بآلية غريبة. ماذا حدث بعد ذلك؟"
وفي الوقت نفسه، يصبح القتال – وهو نشاط تحتاج إلى القيام به كثيرًا لفك شفرة الحدث الغريب الذي تسبب في ظهور المخلوقات الشاحبة المزعجة – روتينيًا. بدأ انتباهي يتضاءل حوالي الساعة 15 من أصل 30 ساعة محتملة.
الإشادة بتصميم المستويات والتفاعل الذكي
هذا أمر مخزٍ لأن "الجحيم نحن" تقدم الكثير من الأشياء الجديرة بالإعجاب والمثيرة للاهتمام. الزنزانات الفعلية التي تهبط تحت المناطق شبه المفتوحة في اللعبة هي سيمفونية مكانية من الممرات الضيقة والأتريومات والمذابح المليئة بالضوء. لا توجد نقاط طريق أو علامات مهام؛ يجب عليك قراءة المجلات بعناية للحصول على أدلة الملاحة (وأحيانًا استخدام البوصلة). وهناك خيار تصميم ذكي آخر: يمكنك التحدث مع الشخصيات فقط حول المعلومات التي اكتشفتها بالفعل. في هذا العصر من ألعاب الفيديو ذات الميزانيات الضخمة التي غالبًا ما تكون مملة وخالية من الاحتكاك، حيث يتم النظر بعناية في أي شيء قد يحد من جمهور اللعبة وغالبًا ما يتم تجنبه، فمن المنعش أن تلعب شيئًا عنيدًا عن قصد.

المصدر: via GIPHY
رسالة اللعبة الأساسية حول بؤس الحرب
بينما أتحرك بصعوبة في هذه الأرض الموحلة والبائسة، يظل عقلي يدور حول اللغة والفهم: رموز، علامات، لغات، وعادات "هادي". من الواضح أنني لا أستوعب سوى جزء صغير من هذا الصراع الذي يعود لآلاف السنين. لكن هناك لغة أخرى، أكثر عالمية، يبدو أن اللعبة تستخدمها، والتي تنقلها عبر صور مؤثرة: بؤس الحرب.
بغض النظر عن الزمان والمكان، تدمر الصراعات العنيفة الناس بنفس الطريقة، مما يجعلهم خائفين، غاضبين، ساعين للانتقام، وبالطبع عنيفين. على الرغم من عيوبها العديدة وكثافتها المعلوماتية الهائلة، تتحدث "الجحيم نحن" بوضوح: عن الحرب، من المستحيل إغلاق صندوق باندورا بمجرد أن تهرب شروره.
معلومات الإصدار
تُطلق "الجحيم نحن" في 4 سبتمبر على أجهزة بلايستيشن 5، وإكس بوكس، والكمبيوتر الشخصي.