لماذا يهرب الخريجون من وظائف شركات التكنولوجيا الكبرى؟
لم تعد وظائف شركات التكنولوجيا الكبرى حلماً: لماذا يبتعد الخريجون الأمريكيون عن عمالقة التقنية؟

تشهد الولايات المتحدة تحولاً جذرياً في أولويات خريجي الجامعات، حيث يتجه عدد متزايد منهم بعيداً عن الوظائف التي كانت تُعتبر في السابق الأفضل في شركات التكنولوجيا العملاقة. لم تعد تلك الوظائف تمثل حلمهم المهني، بل يبحث الخريجون اليوم عن الاستقرار والهدف الحقيقي بدلاً من السمعة المرموقة والرواتب العالية التي ارتبطت بهذه الشركات.
أسباب التحول
يشعر الخريجون بخيبة أمل متزايدة بسبب التهديد الذي يمثله التشغيل الآلي والذكاء الاصطناعي على وظائف المستويات المبتدئة والمتوسطة، بالإضافة إلى عمليات التسريح الجماعي المتكررة. فقدت صناعة التكنولوجيا، التي كانت رمزاً للنمو طويل الأجل، بريقها وأصبحت مرادفاً لعدم الاستقرار. ووفقاً للبيانات المتاحة على Layoffs.fyi، شهد قطاع التكنولوجيا تسريح 264,220 موظفاً في عام 2023، بالإضافة إلى 165,269 موظفاً في عام 2022، مما يؤكد حالة عدم اليقين. كما انخفضت الوظائف المخصصة للمبتدئين بنسبة 25% في عام 2024.
أظهرت الدراسات أن الاستقرار الوظيفي أصبح الأولوية القصوى لمعظم الطلاب، متجاوزاً الراتب والمكانة. ويعكس هذا التحول وجودياً أعمق، متأثراً بجائحة كوفيد-19، والوعي المتزايد بالصحة النفسية، والتركيز الثقافي على التعاطف والمجتمع. ومع تزايد قدرات الذكاء الاصطناعي، أصبحت الشركات تستثمر بشكل أقل في فرص الخريجين الجدد، مع إعطاء الأولوية للمناصب التي تحقق إنتاجية فنية عالية، حيث تحل أدوات الذكاء الاصطناعي محل الوظائف الروتينية للمبتدئين.
أين يتجه الخريجون الآن؟

يتجه الخريجون بشكل متزايد نحو قطاعات الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والمهن التي تركز على الإنسان. وتُعتبر وظائف الطب والتمريض والصحة العامة والعلاج الآن ليست مجرد "رهانات آمنة"، بل دعوات أخلاقية وعاطفية توفر تأثيراً بشرياً ملموساً لا يمكن لقطاع التكنولوجيا تقديمه بشكل متزايد.
كما يزداد اهتمام الخريجون بـالشركات الصغيرة والوظائف الحكومية. فقد تقدم عدد كبير من طلاب علوم الكمبيوتر اليوم لوظائف بدوام كامل في الشركات الصغيرة (أقل من 250 موظفاً)، وارتفعت طلبات التوظيف في القطاع الحكومي بشكل ملحوظ. توفر الشركات الصغيرة أدواراً أكثر استقراراً وتأثيراً اجتماعياً مباشراً على المجتمعات المحلية.
يتجه العديد من الخريجون نحو وظائف تقنية في صناعات أخرى، مثل الخدمات المالية، بدلاً من شركات التكنولوجيا البحتة. كما أنهم أصبحوا أكثر استعداداً للانتقال إلى مدن مختلفة من أجل الوظيفة المناسبة. لكي يصبحوا أكثر تنافسية، يركز بعض الطلاب على دورات في الذكاء الاصطناعي وهندسة البيانات، ويظهر اهتمام متزايد بالعمل الحر والمشاريع الإبداعية.
التحديات التي يواجهها الخريجون

يستغرق الأمر وقتاً أطول للحصول على وظائف، ويشعر الطلاب بالإحباط والتوتر بسبب عدم اليقين. المنافسة شديدة، خاصة من الموظفين المسرحين والخريجين السابقين. كما يواجه الطلاب الدوليون صعوبات إضافية تتعلق بتأشيرات العمل.
المستقبل

يجب على شركات التكنولوجيا الكبرى إعادة توجيه مهماتها لتتجاوز مجرد الربح والاضطراب، والاستثمار في المسؤولية الاجتماعية، وصياغة أدوار لا تعد بالتقدم فحسب، بل بالمعنى والهدف. إن ما نشهده هو ليس مجرد رفض لصناعة واحدة، بل إعادة تعريف للطموح نفسه. لم تعد الوظيفة في الشركات العملاقة تضمن المكانة المرموقة، بل قد تثير مخاوف بشأن الإرهاق أو عدم الاستقرار الوظيفي أو الغموض الأخلاقي. في المقابل، قد ترمز درجة التمريض أو الدور في الصحة العامة الآن إلى الشجاعة والمرونة والأهمية الاجتماعية.
```