هل تهدد إدارة بايدن الإنترنت عالي السرعة للملايين؟

تهدد الإدارة الأمريكية بحجب مليارات الدولارات عن الولايات التي تسعى لتوفير خدمة الإنترنت بأسعار معقولة للفقراء، مما يثير فوضى عارمة في مكاتب النطاق العريض بالولايات، ويعرقل جهود توصيل الإنترنت عالي السرعة للملايين من الأمريكيين، لا سيما في المناطق الريفية. تأتي هذه التهديدات في سياق تغييرات شاملة أجرتها الإدارة على قواعد برنامج المساواة في الوصول إلى النطاق العريض والنشر (BEAD)، وهو صندوق بقيمة 42.5 مليار دولار خصصه الكونغرس في عام 2021 بهدف توسيع نطاق الوصول إلى شبكات الإنترنت عالية السرعة والموثوقة في جميع أنحاء البلاد.


وقد أدت هذه التغييرات إلى تأخيرات كبيرة في توزيع منح البرنامج، حيث لم تبدأ أي مشاريع ممولة من برنامج BEAD على أرض الواقع بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على إقراره. ومن بين أبرز التعديلات التي فرضتها الإدارة هو حظر الولايات من تحديد أسعار صريحة لخطط الإنترنت منخفضة التكلفة التي تقدمها شركات تزويد الخدمة. وقد وصفت مسؤولة في ولاية كاليفورنيا هذا التوجيه بأنه "مهزلة كاملة"، مشيرة إلى أن شركات الإنترنت تحصل على أموال عامة لبناء بنية تحتية حيوية دون الالتزام بتقديم خطط بأسعار يمكن للمواطنين ذوي الدخل المنخفض تحملها.




تضغط الإدارة حاليًا على الولايات لتبني خيارات أرخص لخدمة الإنترنت، مثل الأقمار الصناعية، بدلاً من إعطاء الأولوية لتقنية الألياف الضوئية (Fiber Optics). وعلى الرغم من أن الألياف الضوئية قد تكون أكثر تكلفة في مرحلة البناء الأولية، إلا أنها تتميز بتكاليف صيانة أقل وتوفر سرعات عالية وثابتة تفي بالمتطلبات الفيدرالية للنطاق العريض. في المقابل، تُعد خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية أغلى بالنسبة للمستهلكين، وقد لا تضمن السرعات المطلوبة لتلبية احتياجات المستقبل الرقمي المتزايدة، مثل الرعاية الصحية عن بُعد، والتعليم عبر الإنترنت، والخدمات المصرفية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.




لقد سعت ولايات مثل كاليفورنيا إلى سن قوانين تلزم مزودي خدمة الإنترنت بتقديم خطط شهرية منخفضة التكلفة، مستوحاة من قانون ناجح في نيويورك أيدته المحاكم العليا. ومع ذلك، واجهت هذه الجهود ضغوطًا هائلة من شركات الإنترنت والإدارة الفيدرالية، مما دفع كاليفورنيا إلى التراجع عن مقترحها. يؤكد المدافعون عن الوصول الشامل إلى الإنترنت أن التغييرات الفيدرالية في برنامج BEAD لا تلغي صلاحية الولايات في وضع معايير لضمان تقديم إنترنت بأسعار معقولة لمواطنيها.



يعتبر الوصول إلى الإنترنت ضروريًا للمشاركة الكاملة في المجتمع، وقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن أهميته القصوى. ومع ذلك، لا يزال أكثر من سبعة ملايين منزل وشركة في الولايات المتحدة يفتقرون إلى هذا الوصول، خاصة في المناطق الريفية. هذه المناطق تعاني أيضاً من نقص حاد في خدمات الرعاية الصحية الأولية والصحة السلوكية، وهو ما يرتبط بارتفاع معدلات الأمراض المزمنة والوفيات المبكرة. تاريخياً، ركزت الحكومة الفيدرالية على دعم الشركات الخاصة لتوسيع شبكات الإنترنت في المناطق غير المربحة، مع إنفاق أكثر من 100 مليار دولار منذ عام 1995، لكن العديد من هذه البرامج لم تحقق النتائج المرجوة.




يُعد النهج الحالي للإدارة الأمريكية في تغيير مسار برامج النطاق العريض بمثابة تكرار لأخطاء الماضي. ففي عام 2020، تسبب برنامج سابق كان يهدف إلى تبسيط الإجراءات في فشل مشاريع بقيمة مليارات الدولارات بسبب الاعتماد على خرائط غير دقيقة ومشاريع غير قابلة للتطبيق من الناحية الفنية. وبينما يرى البعض أن التبسيط البيروقراطي هو الحل، أثبتت التجربة أن القضاء على الروتين وحده لا يكفي لبناء بنية تحتية قوية ومستدامة للإنترنت في جميع أنحاء البلاد، خاصة مع التحديات الفريدة التي تواجه المناطق الريفية.


Next Post Previous Post
No Comment
Add Comment
comment url