فقاعة الذكاء الاصطناعي: هل نحن على وشك انفجار اقتصادي؟
فقاعة الذكاء الاصطناعي: هل نعيشها وماذا يحدث عند انفجارها؟

يتسابق العالم بوتيرة محمومة في مجال الذكاء الاصطناعي (AI)، حيث تتنافس عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل، وOpenAI، وميتا لتقديم أحدث حلولها. لقد بلغت استثمارات الذكاء الاصطناعي أرقامًا قياسية، مما أدى إلى ازدهار كبير في أسواق الأسهم، حتى أن البيت الأبيض يشارك في هذا التطور التكنولوجي.لكن التساؤل المحوري هنا هو: هل يشهد العالم حاليًا فقاعة للذكاء الاصطناعي؟ وهل هذه الموجة الاستثمارية الهائلة، التي تتسم بتوقعات مبالغ فيها، ستشهد انكماشًا حتميًا؟ تُعرف فقاعة الذكاء الاصطناعي بأنها فترة من الاستثمار السريع والتوقعات المبالغ فيها في هذا المجال، حيث يفوق الحماس النتائج العملية، مما يثير مخاوف من أن التقييمات والوعود قد تتجاوز القدرات الفعلية للتقنية واستدامتها على المدى الطويل (Built In). يرى بول كيدروسكي، الشريك في SK Ventures وزميل في مبادرة MIT للاقتصاد الرقمي، أننا بالفعل نعيش في فقاعة، ولكنها ليست بالنوع المتوقع. فمع أن الذكاء الاصطناعي يُعد تقنية ذات أهمية قصوى، إلا أن القلق يتزايد حول حجم الأموال الضخم الذي يتدفق على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، خصوصًا مراكز البيانات.
يُشير كيدروسكي إلى أن "هناك إنفاقًا هائلًا على البنية التحتية الأساسية للذكاء الاصطناعي مع احتمالية ضئيلة لاسترداد معظم التكاليف، واحتمالية كبيرة أن تفقد معظم هذه الأصول قيمتها بسبب سرعة استهلاكها."
تداعيات انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي

من المتوقع أن تصل الاستثمارات في مراكز البيانات إلى تريليونات الدولارات، مع تجاوز الإنفاق المستقبلي المتوقع 2 تريليون دولار على هذه المراكز. ومما يزيد الوضع خطورة أن نسبة متزايدة من هذه الأموال تأتي من الديون، التي تفرض التزامات لا يمكن التملص منها.
على الرغم من الأهمية الجوهرية للذكاء الاصطناعي، فإن هذا التدفق الهائل للأموال قد يفضي إلى "فقاعة عقلانية"، حيث يعتقد جميع المستثمرين أنهم يتخذون القرار الصائب. ولكن عندما تتراكم "القرارات الصائبة" من الجميع، يمكن أن يؤدي ذلك إلى هدر هائل للموارد. هذا السيناريو ليس بجديد، فقد تكرر في فقاعات تاريخية سابقة مثل فقاعات السكك الحديدية في القرن التاسع عشر بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث أدى بناء عدد مبالغ فيه من المسارات المتقاربة إلى إهدار كبير وفشل الشركات وأزمات سوقية حادة.في حال انفجرت فقاعة الذكاء الاصطناعي، فإن الشركات التي استثمرت بكثافة في هذه التكنولوجيا ستواجه على الأرجح خسائر مالية فادحة، مما سيؤدي إلى تسريح العمال وانخفاض معدلات الابتكار. كما يمكن أن ينتج عن الانهيار فقدان الثقة في الذكاء الاصطناعي، مما قد يعيق الاستثمارات والتطورات المستقبلية (Built In). يرى جارد بيرنشتاين، زميل السياسات في معهد ستانفورد لأبحاث السياسة الاقتصادية، أن مثل هذه الفقاعات يمكن أن تؤدي إلى ركود اقتصادي، مشيرًا إلى أن انهيار فقاعة الإنترنت رفع معدل البطالة بنقطتين، بينما أدت فقاعة الإسكان إلى إغلاق أسواق الائتمان العالمية وارتفاع معدل البطالة بأكثر من خمس نقاط (NPR). وتتسبب الفقاعات في أضرار جسيمة، حيث يؤثر تراجع سوق الأسهم بنسبة 20 أو 30 بالمائة على الإنفاق الاستهلاكي، مما يحمل تداعيات على الركود الاقتصادي.
لماذا يتواصل تدفق الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي؟
وجهة نظر التفاؤل والنمو
- الذكاء الاصطناعي أهم تقنية في عصرنا
- فرص لبناء ذكاء فائق وبنية تحتية مخصصة
- شركات AI تحقق إيرادات ضخمة ومستدامة
- نمو اقتصادي كبير من استثمارات مراكز البيانات
وجهة نظر التحذير والمخاطر
- مخاطر تصحيح سوق عالمي محتمل
- مبالغة في تقييم شركات التكنولوجيا الرائدة
- متطلبات بنية تحتية عالية قد لا يمكن تلبيتها
- عدم ارتقاء AI لتوقعات السوق يؤدي لانهيار
العديد من الفاعلين في قطاع التكنولوجيا لا يقتنعون بأننا نعيش فقاعة للذكاء الاصطناعي. فهم يرون أن الذكاء الاصطناعي يتجاوز كونه مجرد فقاعة؛ إنه يمثل أهم تقنية في عصرنا. ويتطلعون إلى فرصة بناء ذكاء فائق، يعتمد على الرقائق والمباني والبنية التحتية المخصصة للذكاء الاصطناعي، ويعتبرون أي تباطؤ في هذا التطور خطأً فادحًا.ومع ذلك، توجد أصوات خارج القطاع التقني تحذر من هذا الإنفاق الهائل. فعلى سبيل المثال، حذر بنك إنجلترا من المخاطر المتزايدة لتصحيح سوق عالمي محتمل بسبب المبالغة في تقييم شركات التكنولوجيا الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بالأسواق المالية. وقد أشار إلى أن التقييمات يمكن أن تتضرر أكثر إذا كانت متطلبات البنية التحتية اللازمة للحفاظ على التكنولوجيا عالية جدًا ولا يمكن تلبيتها. كما أضاف أن المستثمرين لم يتم تحذيرهم بشكل كافٍ من مخاطر انهيار سوق الأسهم إذا لم يرتقِ الذكاء الاصطناعي إلى مستوى توقعات السوق (Wikipedia).
في المقابل، يعتقد استراتيجي الأسهم الرئيسي في جولدمان ساكس أن الزيادة السريعة في تقييمات الأسهم مبررة على الأرجح بنمو قوي ومستدام للأرباح، مشيرًا إلى أن تقييمات أسهم النمو الكبيرة في الولايات المتحدة كانت متواضعة مقارنة بفقاعة الدوت كوم (Wikipedia). كما أشار مورغان ستانلي إلى أن متوسط التدفق النقدي لأكبر 500 شركة أمريكية يبلغ ثلاثة أضعاف ما كان عليه في عام 1999، وأن هوامش ربح الشركات أقوى بكثير الآن (Wikipedia). وصرح رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الحالي، جيروم باول، بأن الذكاء الاصطناعي يختلف عن فقاعات التكنولوجيا الأخرى مثل فقاعة الدوت كوم، حيث أن الشركات التي تقف وراءه تحقق إيرادات ضخمة، وأن الاستثمار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي يولد نموًا اقتصاديًا كبيرًا (Wikipedia).

دروس من فقاعات تاريخية مشابهة في عالم الاستثمار
فقاعات استثمارية عبر التاريخ: دروس مستفادة
فقاعة السكك الحديدية
القرن التاسع عشر
حماس مفرط لبناء عدد مبالغ فيه من المسارات المتقاربة، أدى إلى إهدار كبير وفشل الشركات.
فقاعة كهربة الريف
عشرينيات القرن الماضي
انتشار شركات المرافق وإنفاق مبالغ فيه، ساهم في ارتفاع سوق الأسهم وانهيار 1929.
فقاعة الدوت كوم
أواخر التسعينيات - أوائل الألفية
استثمار مبالغ فيه في شركات الإنترنت، انتهى بانهيار السوق وخسائر فادحة.
فقاعة الذكاء الاصطناعي (حاليًا)
الآن
مخاوف من استثمار مبالغ فيه في البنية التحتية ونماذج الذكاء الاصطناعي التي قد لا تستدام.
شهدت الولايات المتحدة والبشرية عمومًا العديد من الفقاعات الاقتصادية عبر التاريخ. تُعد فقاعة السكك الحديدية أحد أبرز الأمثلة في الولايات المتحدة، حيث تغذت على الحماس الشديد للفكرة. وتكرر سيناريو مماثل في عشرينيات القرن الماضي خلال فترة كهربة الريف، عندما انتشرت شركات المرافق، مما أدى إلى إنفاق مبالغ فيه. ويمكن القول إن "حمى الكهرباء" ساهمت في ارتفاع سوق الأسهم خلال عشرينيات القرن الماضي، وهو ما أفضى في النهاية إلى انهيار عام 1929 وسرّع من وتيرة الكساد الكبير.
على الرغم من أن الكثيرين على دراية بفقاعتي الاتصالات والإنترنت (الدوت كوم)، إلا أن أقرب تشبيه تاريخي للوضع الراهن يكمن في فقاعات السكك الحديدية والكهرباء. فكما لم يكن هناك حاجة لوجود مجموعتين متقاربتين من مسارات السكك الحديدية المؤدية إلى فيلادلفيا، فمن غير المرجح أن نحتاج إلى نفس العدد الكبير من الشركات التي تقدم نماذج اللغة الكبيرة أو نماذج الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها الجمهور. من المتوقع أن تنكمش هذه النماذج بشكل طبيعي مع تطور السوق.
الآثار المدمرة للفقاعات الاقتصادية
الآثار المدمرة لانفجار الفقاعات الاقتصادية
- خسائر مالية فادحة:
تراجع أسواق الأسهم يؤثر على ثروات المستثمرين والإنفاق الاستهلاكي.
- تسريح العمالة وارتفاع البطالة:
الشركات تواجه خسائر وتلجأ لتخفيض التكاليف، مما يؤثر على سوق العمل.
- تراجع الابتكار وفقدان الثقة:
قد يعيق الانهيار الاستثمارات والتطورات المستقبلية في المجال.
- تصحيح السوق و"الانتخاب الطبيعي":
الاقتصاد يعيد ضبط نفسه بخروج الشركات الأضعف وبقاء الأقوى.
تتسبب جميع الفقاعات في أضرار جسيمة، وتعتمد شدة هذه الأضرار على حجم الفقاعة ومدى انتشار تأثيرها. إذا كنت تمتلك صندوقًا استثماريًا مؤشرًا وتعتبر نفسك مستثمرًا متحفظًا، فأنت في الواقع منغمس بشكل كبير في سوق الذكاء الاصطناعي حاليًا. في حال انعكس مسار السوق وتراجعت الأسهم بنسبة 20 أو 30 بالمائة، فإنك ستصبح أقل ثراءً بكثير، مما سيؤثر على إنفاقك وتكون له تداعيات محتملة على حدوث ركود اقتصادي.
تنتشر مقولة شائعة في الأوساط التكنولوجية مفادها أن الفقاعة تنفجر ثم تترك وراءها شيئًا قابلًا للاستخدام، حتى لو لم يكن مثاليًا. لكن الواقع يظهر أن كل ثورة مالية وتقنية تقريبًا قد تسببت في أضرار بالغة، وقد يستغرق الأمر عقودًا قبل أن تستعيد الأسواق عافيتها. وكما يقول المثل الشهير في الاقتصاد: "على المدى الطويل، قد ينجح الأمر، ولكن على المدى الطويل، سنكون جميعًا قد متنا."بعض الخبراء يرون أن انهيار فقاعة الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى "انتخاب طبيعي" للشركات، حيث لن يتبقى سوى القليل من الشركات القوية التي تتمكن من الاستمرار والازدهار (Medium). هذا يعني أن الاقتصاد سيعيد ضبط نفسه ليكون أكثر كفاءة، وهو جزء طبيعي من دورة الأعمال، حيث ستخرج بعض الشركات من السوق، وستحدث تسريحات للعمالة، ثم يعاد ضبط القطاع وتستمر التكنولوجيا في التطور والتحسين (Built In).