مولد السيد البدوي: احتفالات شعبية وخلاف فقهي حول التبرك بالأضرحة
مولد السيد البدوي: بين الاحتفال الشعبي والخلاف الفقهي
يُعتبر مولد السيد البدوي في طنطا، بمحافظة الغربية، من أهم وأشهر الموالد الدينية في مصر، حيث يستقطب آلاف الزوار سنويًا من داخل وخارج البلاد. احتفالات هذا العام لم تكن مختلفة، فقد شهدت حضورًا جماهيريًا كبيرًا وتفاعلًا واسعًا مع فعاليات المولد، التي شملت إحياءً دينيًا وأنشطة ثقافية وأجواء احتفالية فريدة. كما توجه بعض الزوار للاحتفال بمولد الإمام الحسين في نفس الفترة.
من هو السيد البدوي؟
السيد أحمد البدوي (1199-1276 م)
أبرز الأئمة الصوفية في مصر، مؤسس الطريقة الأحمدية. وُلد في فاس، واستقر في طنطا.
السيد أحمد البدوي (حوالي 1199-1276 م) يُعد من أبرز الأئمة الصوفية في مصر، وهو مؤسس الطريقة الأحمدية الشهيرة. وُلد في مدينة فاس بالمغرب، ثم انتقل إلى مصر ليستقر في مدينة طنطا، حيث أسس طريقته الصوفية. يُعرف بلقب "شيخ العرب"، وتُنسَب إليه العديد من الكرامات. يُقام مولده السنوي احتفالًا بذكرى وفاته، ويستقطب الملايين من المريدين والزوار الذين يتوافدون للتبرك به والاحتفاء بتراثه الروحي. المصدر
أجواء المولد: مزيج من العبادة والترفيه
إحياء ديني وإنشاد صوفي
أسواق وأطعمة وألعاب
شهدت الليلة الختامية لـ مولد السيد البدوي حضورًا كبيرًا للمنشدين الصوفيين، وعلى رأسهم عميد المنشدين الشيخ ياسين التهامي، الذي أشعل حماس الحشود بإنشاده وأذكاره الروحانية. سبقه في إحياء هذه الليلة ابنه الشيخ محمد التهامي، الذي قدم وصلة إنشاد استمرت لثلاث ساعات. وقد تجمع آلاف المريدين في ساحة المولد للاستماع إلى الإنشاد والتفاعل مع الذكر في حب رسول الله وآل بيته.
ما هو الإنشاد الديني؟
الإنشاد الديني
فن صوتي عربي أصيل يعتمد على أداء نصوص شعرية دينية، غالبًا ما تكون في مدح النبي وآل بيته.
الإنشاد الديني هو فن صوتي عربي أصيل يقوم على أداء نصوص شعرية ذات طابع ديني، غالبًا ما تتناول مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآل بيته، أو تعبر عن الشوق الإلهي. يُعتبر الإنشاد مكونًا أساسيًا في الاحتفالات الدينية والموالد الصوفية، سواء في مصر أو في سائر أنحاء العالم الإسلامي. ويتميز بتقديمه غالبًا بدون آلات موسيقية أو بحد أدنى منها، مع التركيز الكامل على جمال الصوت وقوة الأداء. المصدر
لم تقتصر فعاليات مولد السيد البدوي على الجانب الروحاني والديني فحسب، بل شهدت أيضًا نشاطًا تجاريًا واسعًا ومزدهرًا. امتلأت ساحة المولد ببائعي الأوشحة، والفول السوداني، والحمص، والحلويات التقليدية كالمشبك الشهير، إضافة إلى ألعاب الأطفال المتنوعة. وتميز المولد هذا العام بتقديم أطعمة شعبية محبوبة مثل عصير القصب والفسيخ. كما أدت خيمة الطريقة الرفاعية دورًا حيويًا في إطعام الزوار، حيث قدمت كميات كبيرة من الكبدة، واللحوم، والأرز، والفول النابت.
تعريفات لأطعمة وحلويات المولد:
المشبك
حلوى شرقية مقرمشة مغطاة بالقطر.
الفسيخ
سمك بوري مملح ومُجفف، أكلة شعبية.
القصب
مشروب منعش يُقدم في أكشاك المولد.
خيمة الرفاعية
مكان لخدمة الزوار وإطعامهم في المولد.
- المشبك: حلوى شرقية شهيرة، خاصة في مصر وبلاد الشام. تُصنع من عجينة سائلة تُقلى بالزيت لتأخذ شكل أقراص متشابكة، ثم تُغطى بالقطر (الشربات). تتميز بمذاقها الحلو وقوامها المقرمش الجذاب. المصدر
- الفسيخ: سمك بوري مملح ومُجفف، يُعد من أبرز الأكلات الشعبية في مصر، ويُقدم في الأعياد وبعض المناسبات الخاصة. يتميز برائحته القوية ونكهته الفريدة، ويُحضر بطرق تقليدية مميزة. المصدر
- القصب: يُقدم عصير القصب كأحد المشروبات المنعشة والمحبوبة على نطاق واسع في مصر، ويُعرف بفوائده الصحية المتعددة. خلال الموالد، غالبًا ما يُباع في أكشاك ومحلات مخصصة.
- خيمة الرفاعية: تُشير إلى أتباع الطريقة الرفاعية الصوفية، وهي إحدى الطرق الصوفية المعروفة ذات الحضور القوي. في أجواء الموالد، تُقام خيام خاصة لهذه الطرق الصوفية لخدمة الزوار، وتوفير الطعام والشراب، وإقامة حلقات الذكر والإنشاد الديني.
الزوار الأجانب والتبرك بالأضرحة
الزوار والتبرك
زوار من جنسيات متعددة يتوافدون للتبرك بضريح السيد البدوي.
استقطب مولد السيد البدوي زوارًا من جنسيات متعددة، قاموا بتوزيع "النفحات" على الحضور، مما يؤكد على أهمية المولد الروحانية وامتداد تأثيره الذي يتجاوز الحدود الجغرافية. كما شهد المولد إقبالًا كبيرًا من الزوار على التبرك بضريح السيد البدوي، وهي ممارسة تثير دائمًا جدلاً فقهيًا واسعًا حول مشروعية التبرك بالأضرحة.
ما هي "النفحات"؟
النفحات
عطايا روحانية أو مادية تُقدم بسخاء للزوار والمريدين خلال المناسبات الدينية.
في السياق الصوفي والديني، تُشير "النفحات" بشكل عام إلى العطايا، سواء كانت روحانية أو مادية، التي تُقدم للزوار والمريدين. تُعتبر هذه النفحات بمثابة صدقات أو هبات تُوزع بسخاء خلال المناسبات الدينية الكبرى مثل الموالد. ويُعتقد أن هذه العطايا تحمل في طياتها البركة المستمدة من المناسبة ذاتها أو من شخصية الولي الصالح الذي يُحتفل به. المصدر
نظرة فقهية حول التبرك بالأضرحة
الخلاف الفقهي
التبرك بالأضرحة مسألة خلافية، والله حاضر في كل مكان وزمان.
بعد الاحتفال بمليونية مولد السيد البدوي، أبدى الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، رأيه حول الحكم الفقهي لمسألة التبرك بأضرحة الأولياء. وأكد الهلالي أن هذه المسائل تعد خلافية في الفقه الإسلامي، مشيرًا إلى أن الله تعالى حاضر مع الناس في كل مكان وزمان، وأن البحث في كرامات الأولياء بعد النبي صلى الله عليه وسلم يعود إلى الله وحده.
ما هي الصوفية في مصر؟
التصوف في مصر
تيار روحي عريق يهدف لتزكية النفس ومعرفة الله، مع طرق صوفية متنوعة.
يمثل التصوف في مصر تيارًا روحيًا واسع الانتشار، يمتد تاريخه العريق إلى القرون الأولى للإسلام. تهدف الصوفية بشكل أساسي إلى تزكية النفس وتطهير القلب والوصول إلى معرفة الله تعالى ومحبته، وذلك من خلال ممارسات مثل الذكر والأوراد والخلوات، والسير على نهج الأولياء الصالحين. تنتشر في مصر العديد من الطرق الصوفية البارزة، مثل الطريقة الأحمدية (المرتبطة بالسيد البدوي)، والرفاعية، والشاذلية، وغيرها، ولكل منها أتباعها وموالدها السنوية الخاصة التي تُحيي ذكريات أئمتها وشيوخها. المصدر
كما أشار الدكتور الهلالي إلى أن الصوفية في مصر تشكل تيارًا روحيًا واجتماعيًا ضخمًا، مؤكدًا أن مسألة الدعاء أمام القبر أو التوسل بالأولياء ترجع إلى نية الفرد. وأوضح أن الوظيفة الأساسية للأنبياء هي ربط الناس بخالقهم، وأن الهدف من تنظيم زيارات الأضرحة وقبر النبي صلى الله عليه وسلم هو منع أي ممارسات قد تُعتبر خاطئة أو مخالفة للشرع.
خلاصة القول
الخلاصة
المولد تجسيد للتراث الديني والشعبي، ويستمر رغم الجدل الفقهي.
في الختام، يظل مولد السيد البدوي في طنطا تجسيدًا حيًا وغنيًا للتراث الديني والشعبي المصري الأصيل. إنه حدث فريد يجمع بين مظاهر العبادة الروحانية والأنشطة الترفيهية، ويستقطب الزوار من كافة الخلفيات والتوجهات. وعلى الرغم من الجدل والخلاف الفقهي الدائر حول بعض الممارسات المرتبطة بالمولد، كمسألة التبرك بالأضرحة، إلا أنه يبقى حدثًا محوريًا يعكس عمق الإيمان وقوة التعبير عن الهوية الثقافية المتجذرة للمجتمع المصري. وحتى غياب شخصيات دينية بارزة مثل الشيخ أحمد عمر هاشم لا يقلل من أهمية هذا الحدث، بل يؤكد على استمراريته كتقليد شعبي وديني راسخ الأركان.
إحصائيات حول الحضور والانتشار:
تُشير تقديرات غير رسمية إلى أن مولد السيد البدوي في طنطا يستقطب سنويًا ما يقارب مليون زائر، وقد يتجاوز هذا العدد في بعض الأعوام، مما يجعله أحد أكبر الموالد الدينية في مصر والمنطقة بأسرها. هذا الحضور الجماهيري الكثيف يعكس الأهمية الروحية والثقافية العميقة للمولد في الوعي الجمعي والثقافة المصرية. المصدر (بالعربية)