التحليل الجيني في المغرب: جدل بين إثبات النسب والتحقيقات الجنائية

تحليل الحمض النووي (DNA) في المغرب: جدل إثبات النسب وتطبيقاته الجنائية

خريطة توضح عينات وتراكيب السكان الوراثية في شمال إفريقيا والمناطق المجاورة، مما يعكس الأبعاد الجينية لتحليل الحمض النووي في المنطقة.

يشهد المغرب نقاشًا متناميًا ومهمًا حول استخدام تحليل الحمض النووي (DNA) في قضيتين أساسيتين: إثبات النسب والتحقيقات الجنائية. يعكس هذا الجدل التوازن الحساس بين التطور العلمي السريع من جهة، والضوابط القانونية والاجتماعية المعمول بها من جهة أخرى، خاصة مع استئناف المداولات بشأن إصلاح مدونة الأسرة. في هذا السياق، رفض المجلس العلمي الأعلى، الذي يمثل المرجعية الدينية العليا في المملكة، مقترحًا لاعتماد الخبرة الجينية لإلحاق نسب الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، مؤكدًا بذلك على مبادئ الشريعة الإسلامية التي تُعلي من شأن مؤسسة الزواج الشرعي كركيزة أساسية للنسب.

تحليل الحمض النووي وإثبات النسب: صراع بين العلم والتشريع القانوني بالمغرب

مطرقة قاضٍ خشبية (شاكوش) موضوعة على كومة من كتب القانون، ترمز إلى التقاليد القانونية والنظام القضائي. تعبر هذه الصورة عن جانب التقاليد القانونية من العنوان، في تباين مع الطبيعة العلمية لإثبات النسب، وتسلط الضوء على الصراع المحتمل بين الاثنين.

تكمن المشكلة الأساسية في التناقض بين الدقة العلمية الفائقة لتحاليل الحمض النووي (DNA)، والتي تُعد أداة موثوقة لإثبات أو نفي الأبوة، وبين الأطر القانونية المغربية التي تربط النسب حصراً بالزواج الشرعي. على سبيل المثال، تنص مدونة الأسرة المغربية، التي أُقرت عام 2004، في موادها الخاصة بإثبات النسب (كالمادة 151)، على أن النسب يثبت بـ "الفراش الصحيح" (أي الزواج الشرعي) أو بـ "الإقرار"، ولا يُمكن نفيه إلا بموجب حكم قضائي.

يدعو أنصار اعتماد التحليل الجيني في قضايا إثبات النسب إلى ضرورة ضمان حقوق الأطفال، خاصة أولئك الذين يولدون خارج إطار الزواج، وحمايتهم من التمييز والحرمان من حقوقهم الأساسية كالميراث والرعاية. وقد شهد المغرب سابقة قضائية بارزة في فبراير 2017، حيث أصدرت محكمة مغربية حكمًا تاريخيًا يقضي بحق الطفل المولود خارج إطار الزواج في الانتساب إلى أبيه البيولوجي، مع منح والدته تعويضًا عن الأضرار. شكل هذا الحكم خطوة مهمة نحو إعادة تقييم طرق التعامل مع قضايا النسب. (المصدر: الجزيرة نت). كما يوجد مقترح قانون يهدف إلى تعديل المادة 152 من مدونة الأسرة، ليضيف "الخبرة الجينية" كدليل على إثبات نسب الأبناء إلى آبائهم.

من جهة أخرى، يحذر المعارضون من أن اعتماد هذه التكنولوجيا (يقصد بها تحليل الحمض النووي) قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي، إذ يمكن أن يُفتح الباب للطعن في النسب الشرعي بناءً على نتائج التحاليل الجينية، مما يهدد الأسس والثوابت المجتمعية المتعلقة بالأسرة والنسب. علاوة على ذلك، توجد مخاوف من إمكانية إساءة استخدام الحمض النووي في قضايا مثل الطلاق أو الميراث، الأمر الذي قد يُفضي إلى نشوء نزاعات قانونية بالغة التعقيد.

الحمض النووي في التحقيقات الجنائية بالمغرب: أداة حاسمة لمكافحة الجريمة

جمع العينات

تحليل الحمض النووي

إحقاق العدالة

في سياق مختلف، يشهد المغرب تقدمًا كبيرًا في استخدام تحليل الحمض النووي (DNA) ضمن التحقيقات الجنائية. لقد كان للمختبرات المتخصصة دور بارز في فك رموز العديد من القضايا المعقدة، حيث تُعتبر هذه التكنولوجيا الجينية أداة حاسمة في توفير أدلة قاطعة تدعم إدانة المجرمين أو تبرئة الأبرياء. ويُضاف إلى ذلك أن المغرب يُعد من الدول الرائدة إقليميًا في تأسيس قاعدة بيانات وطنية للحمض النووي، وهو ما يعزز بشكل كبير قدرات الأجهزة الشرطية والقضائية في مكافحة الجريمة وتحقيق العدالة.

المستقبل: نحو إطار قانوني متوازن لاستخدام الحمض النووي في المغرب

تُظهر الصورة تمثال السيدة العدل (Lady Justice) وهي تحمل الموازين بيدها، والتي ترمز إلى التوازن والإنصاف في الإطار القانوني.

يُظهر بوضوح أن تحليل الحمض النووي (DNA) يمثل أداة علمية قوية بإمكانها المساهمة بفعالية في إحقاق العدالة وحماية حقوق الأفراد، سواء كان ذلك في مجال إثبات النسب أو ضمن التحقيقات الجنائية. ومع ذلك، فإن الاستغلال الأمثل لهذه التكنولوجيا المتقدمة يستدعي وجود إطار قانوني متوازن يأخذ بعين الاعتبار الجوانب العلمية، الشرعية، والاجتماعية على حد سواء.

  • حماية الخصوصية: وضمان عدم إساءة استخدام البيانات الجينية.

خريطة توضح أفضل وأسوأ البلدان في خصوصية الإنترنت.
  • تحديد الشروط والإجراءات الواضحة: والضرورية لإجراء التحاليل الجينية، مع وضع ضوابط صارمة تمنع أي تعسف أو تزوير.
  • تحقيق التوازن الدقيق: بين حقوق الأفراد والثوابت المجتمعية، بما يضمن ألا يؤدي استخدام التحليل الجيني إلى إضعاف النسيج الاجتماعي أو تقويض الثقة في النظام القانوني.

إن تحقيق هذا التوازن القانوني والاجتماعي هو المسار الأمثل لضمان أن يظل تحليل الحمض النووي أداة فعالة لتحقيق العدالة وصون الكرامة الإنسانية، بعيدًا عن كونه مصدرًا للنزاعات أو الاضطرابات المجتمعية.

Next Post Previous Post
No Comment
Add Comment
comment url