جهود إحياء المفاوضات النووية الإيرانية: دور مصر المحوري وتأثير الهجمات الأخيرة

مقدمة

جهود استئناف المفاوضات: يشهد المشهد الإقليمي تطورات متسارعة بشأن البرنامج النووي الإيراني، مع تزايد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى استئناف المفاوضات النووية الإيرانية المتوقفة. تأتي هذه المساعي في خضم تصاعد التوترات الإقليمية والمخاوف المتنامية حيال امتلاك إيران لقدرات نووية عسكرية. في هذا السياق، تضطلع مصر بدور جوهري في إحياء المفاوضات النووية، ساعيةً لتحقيق تسوية مستدامة تضمن الأمن الإقليمي وتدعم الحوار الفعال بين جميع الأطراف المعنية.

الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA): تفاصيل خطة العمل الشاملة المشتركة

خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA): تُعرف خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، أو ما يُسمى الاتفاق النووي الإيراني، كاتفاق تاريخي تم إبرامه في يوليو 2015. جمع هذا الاتفاق إيران مع مجموعة دول 5+1 (الصين، فرنسا، ألمانيا، روسيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة) إلى جانب الاتحاد الأوروبي. بموجب الاتفاق النووي، وافقت إيران على تفكيك جزء كبير من برنامجها النووي وفتح منشآتها أمام عمليات تفتيش دولية مكثفة، مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها. كان الهدف الأساسي لـ الـ JCPOA هو ضمان بقاء البرنامج النووي الإيراني سلمياً حصراً. لكن هذا الاتفاق واجه تحديات كبيرة بعد انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018، الأمر الذي دفع إيران لاستئناف بعض أنشطتها النووية. لمزيد من التفاصيل حول بنود الاتفاق النووي الإيراني، يُمكن الرجوع إلى ملخص الاتفاق النووي الإيراني.

مصر ودور الوساطة: جهود القاهرة لإحياء المفاوضات النووية الإيرانية

لقاءات مصرية ثلاثية: في الثامن من سبتمبر 2025، كانت مصر مسرحاً للقاءات ثلاثية مهمة ضمت وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الإيراني عباس أرغجي، والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي. كان الهدف الأساسي لهذا اللقاء هو استئناف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، وذلك تماشياً مع توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي الهادفة إلى إيجاد حل دائم يصون مصالح جميع الأطراف ويدعم الاستقرار الإقليمي. تُعد هذه اللقاءات جزءاً لا يتجزأ من جهود مصر الدبلوماسية الرامية إلى تشجيع الحوار بين إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى (فرنسا، بريطانيا، وألمانيا).

جهود دبلوماسية مكثفة: وقبل هذه التطورات، استضافت مصر اجتماعاً رفيع المستوى ضم ممثلين عن مصر وإيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصة بعد ظهور تقارير تشير إلى قيام إيران بتخزين اليورانيوم المخصب. كذلك، أجرى عبد العاطي لقاءً منفصلاً مع غروسي في سلوفينيا لمناقشة آليات إعادة إطلاق المحادثات النووية. تندرج هذه الجهود المصرية ضمن مساعي القاهرة الحثيثة لبناء الثقة بين الأطراف المعنية وتعزيز الشفافية في التعامل مع الملف النووي الإيراني.

تداعيات الهجمات الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية وتأثيرها

هجمات واسعة النطاق: شهدت المنشآت النووية الإيرانية في يونيو 2025 سلسلة من الهجمات واسعة النطاق، والتي يُعتقد تورط إسرائيل والولايات المتحدة فيها. أسفرت هذه الهجمات عن خسائر بشرية جسيمة وتدمير واسع في مواقع حيوية مثل فوردو، ناتانز، وأصفهان. في أعقاب ذلك، ردت إيران على هذه الهجمات بشن ضربات صاروخية على إسرائيل، مما أدى إلى تصاعد حاد في التوترات الإقليمية. في يوليو، علقت إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشترطةً تغيير شكل التعاون المستقبلي، معللةً ذلك بفشل الوكالة في إدانة هذه الهجمات.

تقييم الأضرار وتأثيرها العميق على البرنامج النووي الإيراني

تدمير أجهزة الطرد المركزي: وفقاً لـ تقارير معهد العلوم والأمن الدولي (ISIS)، أسفرت الهجمات الأخيرة عن تدمير ما يقارب 22,000 جهاز طرد مركزي في منشآت فوردو وناتانز وأصفهان، الأمر الذي أوقف فعلياً إنتاج اليورانيوم اللازم للأسلحة في هذه المواقع. تسببت هذه الهجمات أيضاً في إلحاق أضرار بالغة بقدرة إيران على تصنيع أجهزة الطرد المركزي وسادس فلوريد اليورانيوم. نتيجة لذلك، فقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إمكانية المراقبة المباشرة على المواقع، وتم سحب المفتشين لأسباب أمنية في أواخر يونيو.

فقدان استمرارية المعرفة: أكد المدير العام لـ الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أن القيود الإيرانية على وصول الوكالة غير مقبولة، مشدداً على ضرورة استئناف عمليات التفتيش فوراً. كما أظهرت تقارير الوكالة "فقدان استمرارية المعرفة" فيما يتعلق بمخزونات إيران من اليورانيوم المخصب وإنتاج أجهزة الطرد المركزي. يُعرف "فقدان استمرارية المعرفة" بأنه عجز الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن مراقبة ورصد الأنشطة والمخزونات النووية الإيرانية بكفاءة وديمومة، وينتج عن تقييد وصول المفتشين أو إزالة معدات المراقبة. هذا الوضع يحد من شفافية البرنامج النووي الإيراني ويعيق التحقق من التزام إيران بتعهداتها، مما يُهدد الهدف الأساسي لـ الاتفاق النووي الذي يضمن عدم تحويل المواد النووية لأغراض عسكرية. لمعرفة المزيد عن دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراقبة برنامج إيران النووي، يمكن زيارة صفحة الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول إيران. ونفى غروسي أيضاً المزاعم بأن بيانات الوكالة سهلت تنفيذ الهجمات.

المفاوضات النووية الجارية: إيران والمخاوف الغربية بشأن البرنامج النووي

محادثات مكثفة: تخوض إيران حالياً محادثات مكثفة مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا بخصوص اتفاق عام 2015 وإمكانية إعادة فرض العقوبات الأممية. في المقابل، تُعرب الدول الغربية عن قلقها وشكوكها حيال سعي إيران لامتلاك قدرات نووية عسكرية، بينما تنفي إيران ذلك بشدة، مؤكدةً حقها في تطوير برنامج نووي سلمي، بما يتوافق مع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية. وتسعى إيران إلى استئناف عمليات التفتيش الكاملة على مواقعها النووية، لكنها تُشدد على أن التعاون المستقبلي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيتخذ "شكلاً جديداً"، نظراً لعدم إدانة الوكالة للهجمات الأخيرة.

الخلاصة: تحديات وفرص إحياء المفاوضات النووية الإيرانية

إحياء المفاوضات النووية: يُعد إحياء المفاوضات النووية الإيرانية تحدياً دبلوماسياً معقداً يتطلب جهوداً متواصلة من كافة الأطراف المعنية. في هذا الإطار، يُظهر الدور المصري أهمية بالغة، حيث تسعى القاهرة بنشاط لـ بناء الثقة وتسهيل الحوار بين إيران والدول الغربية. لتحقيق تسوية مستدامة تضمن الأمن والاستقرار الإقليمي، لا بد من استعادة الشفافية والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة إلى معالجة المخاوف الغربية المتعلقة بـ البرنامج النووي الإيراني. كذلك، يُمثل تخفيف حدة التوترات الإقليمية وتجنب أي تصعيد عسكري إضافي شرطاً جوهرياً لنجاح هذه الجهود الدبلوماسية.