العلاقات السورية المصرية: تحديات راهنة بين حادث دمشق وأجندات مشبوهة

مقدمة: شهدت العلاقات السورية المصرية مؤخرًا حالة من التوتر بعد انتشار مقاطع فيديو تُظهر مظاهرات في دمشق تضمنت هتافات مسيئة لمصر. أثارت هذه الحادثة استجابات واسعة، من بينها إدانات رسمية وتحليلات متعددة تناولت أسبابها وخلفياتها. يسعى هذا المقال لتقديم تحليل شامل للوضع الراهن، مستعرضًا الاستجابات الرسمية والتحليلات الصحفية، ومحاولًا فهم السياق الذي وقعت فيه هذه المظاهرات، مع التشديد على أهمية الحفاظ على متانة العلاقات المصرية السورية التاريخية.

إدانة سورية رسمية وتأكيد على عمق العلاقات المصرية السورية

بادرت وزارة الخارجية السورية بإصدار بيان رسمي تستنكر فيه الهتافات المسيئة لمصر، مؤكدةً أن هذه الهتافات لا تعكس مشاعر الشعب السوري تجاه قيادة وشعب مصر، وأنها مجرد حادث معزول يُمثل من قام به فقط. أعربت الوزارة عن أسفها لمحاولة استغلال هذه الحادثة لتعكير صفو العلاقات بين البلدين، مجددةً احترامها لمصر وشعبها وحرصها على تعزيز العلاقات الثنائية المتبادلة. يُظهر هذا البيان التزامًا رسميًا بعدم تصعيد الموقف والحفاظ على العلاقات التاريخية العميقة والوثيقة بين مصر وسوريا.

استغلال سياسي محاول لتشويه الدور المصري الداعم للعرب

في سياق متصل: سلطت المقالات الصحفية الضوء على محاولات استغلال هذه الحادثة لتشويه الدور المصري الداعم للقضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية. وأشارت مقالة نشرتها صحيفة *اليوم السابع* إلى أن استهداف مصر يأتي في سياق محاولات لعرقلة دورها الإقليمي والنيل من صلابتها، خاصةً في ظل تحملها العبء الأكبر في الدفاع عن غزة وتقديم المساعدات الإنسانية الحيوية. كما انتقدت المقالة استغلال المسجد الأموي في دمشق للهجوم على مصر، معتبرةً ذلك تعبيرًا عن أجندات مشبوهة تخدم مصالح إسرائيل . وأكدت المقالة أن مصر ستظل ثابتة على مبادئها القومية وداعمة للقضايا العربية، على الرغم من حملات التشويه المستمرة.

الدور الإنساني لمصر في دعم غزة

مصر ودعم غزة: تُعد مصر ركيزة أساسية في تقديم الدعم الإنساني لقطاع غزة، حيث قامت بتسهيل عبور مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات الغذائية والطبية والإغاثية عبر معبر رفح الحدودي. فوفقًا لتقارير الأمم المتحدة، لعبت مصر دورًا حيويًا في إيصال أكثر من 80% من المساعدات التي وصلت إلى غزة خلال فترات التصعيد، بما في ذلك إجلاء آلاف الجرحى والمصابين للعلاج في المستشفيات المصرية، مما يؤكد التزامها الراسخ تجاه الشعب الفلسطيني. (المصدر: الأمم المتحدة)

عصبة الجولاني والتحريض الممنهج ضد مصر في دمشق

تحليل الكاتب حمدي رزق: يرى الكاتب حمدي رزق في صحيفة *المصري اليوم* أن المظاهرات المعادية لمصر في دمشق مدفوعة من قبل "عصبة الجولاني" وأذرع النظام السوري. واصفًا المظاهرات بـ"العار والشنار"، وتساءل عن سبب السماح بمثل هذه المظاهرات تحت حماية ميليشيات الجولاني، بينما لا توجد مظاهرات ضد الاحتلال الإسرائيلي. هذا التحليل يشير إلى وجود يد خفية وراء هذه المظاهرات، وأنها ليست تعبيرًا عن رأي شعبي حقيقي، بل هي جزء من حملة تحريض ممنهجة ضد مصر.

من هو أبو محمد الجولاني؟

أبو محمد الجولاني: يشير مصطلح "عصبة الجولاني" غالبًا إلى هيئة تحرير الشام، وهي جماعة جهادية سورية مسلحة نشأت من جبهة النصرة، الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا. يقود هذه الجماعة أبو محمد الجولاني، الذي يُعد من أبرز قادة الفصائل المسلحة في الشمال السوري. تسيطر هيئة تحرير الشام على أجزاء واسعة من محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها، وتُصنف كمنظمة إرهابية من قبل العديد من الدول والمنظمات الدولية، وتُعرف بمواقفها المتشددة وأجنداتها التي تختلف عن توجهات الدول العربية الداعمة للاستقرار الإقليمي. (المصدر: مجلس العلاقات الخارجية - CFR)

أهمية الدفاع عن الشعب السوري وتجنب التعميم

الحذر من التعميم: على الرغم من إدانة المظاهرات، حذر الكاتب رزق من تحميل الشعب السوري مسؤولية أفعال "عصبة الجولاني"، مشيرًا إلى العلاقات التاريخية والاجتماعية العميقة بين الشعبين المصري والسوري. كما حذر من أن تجاهل مصر للإساءات قد شجع "صغار ميليشيات الجولاني"، ولكنه في الوقت نفسه حذر من "غضبة الشعب المصري" إذا طفح الكيل. هذا التحذير يؤكد على أهمية التعامل بحكمة مع الموقف، وتجنب التعميم، والتركيز على محاسبة المسؤولين عن التحريض الفتني.

أولوية تحرير الجولان: تساؤلات حول أولويات النظام السوري

تحرير الجولان: اختتم الكاتب مقالته بالتساؤل عن سبب عدم تركيز النظام السوري على تحرير الجولان بدلاً من التحريض ضد مصر. هذا التساؤل يطرح قضية مهمة، وهي أن تركيز النظام السوري على قضايا أخرى قد يكون لصالح إسرائيل ، ويشتت الانتباه عن الأولوية الحقيقية وهي تحرير الأراضي السورية المحتلة.

أهمية الجولان ومكانته الاستراتيجية

مكانة الجولان: تُعد مرتفعات الجولان منطقة استراتيجية بالغة الأهمية لسوريا وإسرائيل على حد سواء. احتلت إسرائيل الجولان من سوريا عام 1967 وضمتها لاحقًا في عام 1981، في خطوة لم تحظَ باعتراف دولي واسع. تتمتع الجولان بموقع جغرافي مرتفع يطل على مساحات واسعة من سوريا وإسرائيل، مما يمنحها قيمة عسكرية وأمنية كبيرة. كما أنها غنية بالموارد المائية، وتُعد منطقة زراعية خصبة. يمثل تحرير الجولان هدفًا استراتيجيًا لسوريا ومطلبًا أساسيًا في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، بينما تعتبرها إسرائيل ضرورية لأمنها القومي. (المصدر: موسوعة بريتانيكا)

الخلاصة: مستقبل العلاقات المصرية السورية وضرورة مواجهة التحديات

مستقبل العلاقات: إن حادثة المظاهرات المسيئة لمصر في دمشق هي حادث مؤسف، ولكن يجب التعامل معها بحكمة وعقلانية. يجب على كلا البلدين العمل على احتواء الموقف، وتجنب التصعيد، والتركيز على تعزيز العلاقات الثنائية القوية. كما يجب كشف الجهات التي تقف وراء التحريض، ومحاسبتها على أفعالها. والأهم من ذلك، يجب على النظام السوري أن يعيد النظر في أولوياته، وأن يركز على تحرير الأراضي السورية المحتلة، بدلاً من الانخراط في صراعات جانبية تخدم مصالح إسرائيل . إن الحفاظ على قوة العلاقات السورية المصرية هو مصلحة وطنية عليا لكلا البلدين، وضرورة حتمية لمواجهة التحديات المشتركة التي تواجه المنطقة العربية ككل.