الدجل الإلكتروني في مصر: كيف يستغل المحتالون سذاجة المواطنين؟

انتشار الدجل الإلكتروني: حيل النصب والاحتيال والسعي للشهرة عبر الإنترنت


مقدمة: تفاقم ظاهرة الدجل والاحتيال الرقمي


شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا ومقلقًا في ظاهرة الدجل والشعوذة عبر الإنترنت، خصوصًا من خلال منصات التواصل الاجتماعي. يُعرّف الدجل الإلكتروني بأنه استغلال الأدوات والوسائل الرقمية، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، المنتديات، والمواقع الإلكترونية، لممارسة عمليات الاحتيال والتضليل. يتم ذلك بادعاء امتلاك قوى خارقة أو معرفة غيبية، بهدف استغلال الأفراد ماديًا أو نفسيًا، أو لتحقيق الشهرة السريعة. غالبًا ما يستغل مرتكبو هذه الظاهرة سذاجة الآخرين ورغبتهم الملحة في إيجاد حلول سريعة لمشاكلهم، أو حتى فضولهم نحو المحتوى المثير، ليحققوا مكاسب مالية غير مشروعة أو مجرد الشهرة. يقدم هذا المقال استعراضًا شاملًا لتفاصيل هذه الظاهرة المتنامية، معتمدًا على حوادث حديثة كشفت عنها الأجهزة الأمنية المصرية، وتحليلًا معمقًا لدوافع مرتكبيها وتأثيراتها الواسعة على المجتمع.


صورة توضح شخصًا يرتدي قبعة رأس وقناعًا أمام جهاز كمبيوتر، تمثل عمليات الاحتيال والخداع الإلكتروني.

عمليات أمنية ناجحة تكشف شبكات النصب والدجل الإلكتروني


في إطار جهودها المستمرة، نجحت الأجهزة الأمنية المصرية في سلسلة من العمليات المتتابعة في إلقاء القبض على عدة أفراد متورطين في ممارسة الدجل والشعوذة عبر الإنترنت. ففي القاهرة، تم القبض على شخص كان يدّعي امتلاكه قدرات خارقة، مثل استخراج الجن وممارسة أعمال السحر، مستخدمًا هذه الادعاءات لجذب المتابعين عبر موقع "فيسبوك" وزيادة التفاعل والمشاهدات، بهدف تحقيق أرباح مالية غير مشروعة. وقد عثرت الشرطة بحوزته على هواتف وأدوات تستخدم في الدجل، بالإضافة إلى مبالغ مالية، واعترف المتهم بكافة أنشطته الإجرامية، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة ضده.


لوحة مفاتيح حاسوب وسلاسل يد، ترمز إلى مكافحة الجريمة الإلكترونية والقبض على مرتكبيها.

وصف توضيحي للصورة.

اسم الصورة” — المصدر: Wikimedia Commons. License: CC.

وفي حادثة أخرى بالقاهرة، ألقت الشرطة القبض على شاب كان يقوم بنشر فيديوهات مرعبة في أماكن مهجورة، مدعيًا قدرته على ممارسة السحر والشعوذة واستخراج الجن. اعترف الشاب بأن هدفه الرئيسي كان زيادة عدد المشاهدات وتحقيق مكاسب مالية من خلال هذه المقاطع المثيرة للجدل والخوف، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه.

كما شهدت محافظة الدقهلية إلقاء القبض على شخصين استخدما حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي لاصطياد الضحايا المحتملين. قاما بنشر مقاطع فيديو تُصورهما وهما يقومان بأعمال الدجل داخل مبنى مهجور، بهدف إيهام الناس بقدرتهما المزعومة على تسخير الجن. واعترف المتهمان بأن الهدف من نشر هذه المقاطع كان زيادة أعداد المشاهدات وجني مكاسب مالية غير مشروعة، وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدهما.

الإطار القانوني لمكافحة الدجل الإلكتروني والاحتيال الرقمي في مصر:


في سبيل التصدي لتنامي ظاهرة الجرائم الإلكترونية، قامت مصر بإصدار القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، المعروف شعبيًا بـ "قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات". يهدف هذا التشريع إلى تنظيم استخدام الإنترنت وجميع وسائل الاتصالات الرقمية، ويحدد بدقة الجرائم المرتبطة بها والعقوبات المقررة لها. يتضمن القانون مواد صريحة تجرم أفعال النصب والاحتيال الإلكتروني، بالإضافة إلى استغلال الإنترنت لنشر الأكاذيب والشائعات، أو أي إخلال بالقيم الأسرية والمجتمعية. على سبيل المثال، تنص المادة 25 من القانون على عقوبات تتراوح بين الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز مائة ألف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين، لكل من يعتدي على المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو ينتهك حرمة الحياة الخاصة، أو يرسل عددًا كبيرًا من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو ينشر عبر شبكة المعلومات الدولية أو أي وسيلة من وسائل تقنية المعلومات بيانات أو أخبارًا أو صورًا وما شابهها، بما ينتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة. هذه المواد تُطبق بصرامة على مرتكبي الدجل الإلكتروني الذين يستغلون منصات التواصل الاجتماعي في تنفيذ أنشطتهم الاحتيالية.

الدوافع الرئيسية لانتشار الدجل الإلكتروني والنصب الرقمي:


تتنوع الدوافع التي تدفع الأفراد لممارسة الدجل والشعوذة عبر الإنترنت، وتشمل بشكل أساسي:

  • الربح المادي: يعد جني الأرباح المالية، سواء من خلال زيادة المشاهدات والإعلانات أو عبر استغلال الضحايا مباشرة، المحرك الأساسي لهذه الأنشطة الاحتيالية.
  • الشهرة والانتشار السريع: يسعى العديد من مرتكبي هذه الظاهرة إلى تحقيق الشهرة والانتشار الواسع عبر الإنترنت عن طريق نشر محتوى جاذب ومثير، حتى وإن كان مبنيًا على الخداع والتضليل الكامل.
  • الاستغلال النفسي: يستغل بعض الدجالين ضعف الأفراد وحاجتهم الماسة، مقدمين لهم وعودًا زائفة بحل مشكلاتهم المستعصية مقابل الحصول على مبالغ مالية.

التأثيرات السلبية والمدمرة للدجل الإلكتروني على الفرد والمجتمع:


تتسبب هذه الممارسات الاحتيالية في إحداث العديد من التأثيرات السلبية المدمرة على المجتمع والأفراد، وتشمل ما يلي:


تُظهر الصورة شخصًا يرتدي سترة بغطاء رأس مع وجه مظلل، مما يرمز إلى التهديد الخفي والخطير للاحتيال الإلكتروني وتأثيراته السلبية على الأفراد والمجتمعات.
  • الاستغلال المادي والنصب: يتعرض الضحايا لعمليات احتيال ونصب مالي جسيمة، قد تؤدي بهم إلى خسائر مادية فادحة وتدهور سريع في أوضاعهم المالية.

صورة مقربة لمجموعة من العملات المعدنية والأوراق النقدية المتنوعة، مما يرمز إلى الجانب المادي والمالي للاستغلال.
  • التأثير النفسي والعاطفي: يعاني الضحايا غالبًا من القلق والاكتئاب الشديد وفقدان الثقة بالنفس وبالآخرين، نتيجة لشعورهم العميق بالخداع والاستغلال.
  • تشويه القيم الاجتماعية والأخلاقية: تساهم هذه الممارسات بفاعلية في نشر الخرافات والأوهام، وتشوه القيم الاجتماعية والأخلاقية الراسخة، مما يقوض التفكير العقلاني والمنطقي.
  • إثارة الذعر والخوف في المجتمع: قد تثير مقاطع الفيديو المرعبة التي ينشرها الدجالون حالة من الذعر والخوف الشديد في المجتمع، وتؤدي إلى عدم استقرار نفسي واسع النطاق لدى شريحة من الأفراد.

الجهود الأمنية الحثيثة وضرورة التوعية المجتمعية لمواجهة الدجل الإلكتروني:


تواصل الأجهزة الأمنية بذل جهودها الدؤوبة لمكافحة ظاهرة الدجل الإلكتروني والقبض على مرتكبيها، وتطبيق القانون بصرامة عليهم. ومع ذلك، فإن هذه الجهود وحدها لا تكفي، بل يجب أن تقترن بحملات توعية مكثفة ومستمرة تستهدف الجمهور لتعريفهم بمخاطر الدجل والشعوذة عبر الإنترنت، والتأكيد على أهمية عدم الانسياق وراء الادعاءات الكاذبة والمضللة. يتوجب على الأفراد التحقق الدقيق من مصداقية المعلومات والمصادر قبل تصديقها أو التفاعل معها، والامتناع عن مشاركة البيانات الشخصية أو المالية مع أي جهات غير موثوقة. كما يجب عليهم الإبلاغ الفوري عن أي محتوى مشبوه أو ممارسات دجل إلكتروني للسلطات المختصة. إضافة إلى ذلك، لا بد من تعزيز الرقابة الفعالة على محتوى الإنترنت، وتصفية المحتوى الضار والمضلل من خلال تعاون وثيق بين الجهات الحكومية ومقدمي خدمات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي.


كاميرا مراقبة مثبتة على جدار، ترمز إلى اليقظة الأمنية والمراقبة المستمرة، وتؤكد على أهمية الجهود الأمنية وضرورة التوعية للحفاظ على الأمان.

خاتمة: مستقبل مكافحة الدجل الإلكتروني


يمثل انتشار ظاهرة الدجل الإلكتروني تحديًا كبيرًا وخطيرًا للمجتمع بأسره، ويتطلب مواجهته تضافرًا شاملاً للجهود بين الأجهزة الأمنية، والمؤسسات التعليمية، والجهات الإعلامية، إضافة إلى دور الأفراد الفاعل. من خلال التوعية المستمرة، والتعليم الفعال، والرقابة الصارمة، يمكننا جميعًا حماية أنفسنا ومجتمعاتنا من هذه الممارسات الضارة والمدمرة، وتعزيز قيم العقلانية، والتفكير النقدي، والاعتماد على الحقائق.


صورة ليديْن تتصافحان أمام أفق مدينة، مما يرمز إلى إبرام اتفاق أو نهاية موفقة.
Next Post Previous Post
No Comment
Add Comment
comment url