قانون الإيجار القديم في مصر: طعون دستورية ومستقبل العلاقة بين المالك والمستأجر

قانون الإيجار القديم في مصر: جدل دستوري ومستقبل العلاقة بين المالك والمستأجر

مقدمة

شهدت مصر في الآونة الأخيرة تطورات هامة فيما يتعلق بقانون الإيجار القديم، لا سيما بعد تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 10 لسنة 2022. ومع ذلك، لم ينهِ القانون الجديد الجدل القائم، بل أثار المزيد من التساؤلات القانونية والدستورية حول مستقبل العلاقة بين المالك والمستأجر، وحقوق كل طرف. يركز هذا المقال على استعراض هذه التطورات، والطعون الدستورية المقدمة، والتحديات التي تواجه تطبيق القانون الجديد، مع الأخذ في الاعتبار أهمية تحقيق التوازن بين حماية الملكية الخاصة وضمان الحق في السكن.

قانون الإيجار القديم: نظرة عامة

يعود قانون الإيجار القديم إلى القانون رقم 136 لسنة 1981، والذي أرسى نظامًا إيجاريًا يتميز بالأسعار المنخفضة جدًا، مما أدى إلى استمرار هذا النظام لعقود طويلة. ومع مرور الوقت، ظهرت مشكلات عديدة، منها صعوبة تحديث العقود، وتدهور حالة العديد من المباني، وعدم قدرة الملاك على الاستفادة من أملاكهم بشكل عادل.

القانون رقم 10 لسنة 2022: إجراءات جديدة للأشخاص الاعتبارية

يعد القانون رقم 10 لسنة 2022 خطوة مهمة نحو إنهاء العمل بقانون الإيجار القديم بالنسبة لبعض الفئات. هذا القانون، الصادر في 6 مارس 2022، يختص بـ الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكنى (مثل الشركات والمؤسسات). وقد نص على زيادة القيمة الإيجارية لهذه الأماكن بخمسة أمثال القيمة القانونية السارية، مع زيادة سنوية دورية بنسبة 15% في شهر مارس من كل عام. كما حدد القانون مدة إخلاء نهائية لهذه الوحدات تنتهي في 5 مارس 2027.

الطعون الدستورية وتأثيرها على القانون الجديد

على الرغم من صدور القانون رقم 10 لسنة 2022، إلا أن المحكمة الدستورية العليا لا تزال تشهد العديد من الدعاوى الدستورية المتعلقة بباقي نصوص قوانين الإيجار القديم التي لم يتم الفصل فيها. من أبرز هذه الدعاوى، الدعوى رقم 90 لسنة 42 دستورية، والتي تطالب بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981، فيما تضمنته من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد...." لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى. وقد قررت المحكمة الدستورية العليا في 2 يونيو 2025، إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين لاستكمال التحضير، مع تحديد جلسة 2 أغسطس 2025 للمرافعة.

المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981: نقاط الخلاف

تنص المادة 18 من القانون على الحالات التي يجوز فيها للمؤجر طلب إخلاء العين المؤجرة، وتشمل:

  • الهدم أو الترميم.
  • عدم وفاء المستأجر بالأجرة.
  • التنازل عن المكان أو تأجيره من الباطن بغير إذن كتابي.
  • استعمال المكان بطريقة مقلقة أو ضارة.

يثير الطعن الدستوري في هذه المادة تساؤلات حول مدى دستورية هذه الشروط، خاصة فيما يتعلق بحق المستأجر في السكن، وحماية الملكية الخاصة للمؤجر.

الجدل القانوني والدستوري: تحقيق التوازن بين الحقوق


تمثال لسيدة العدل معصوبة العينين تحمل ميزانًا، وهو ما يرمز إلى الموازنة بين الحقوق في النقاشات القانونية والدستورية.

يشير خبراء القانون الدستوري إلى أن الطعن على القانون لا يتم مباشرة، بل من خلال دعوى أمام محكمة مدنية، ثم الدفع بعدم الدستورية. وتملك المحكمة الدستورية العليا صلاحية النظر في دستورية القانون من تلقاء نفسها، ولكن من المتوقع أن يستغرق الحكم النهائي سنوات.

ويؤكد الخبراء أن الدستور يحمي الملكية الخاصة والحق في السكن، مما يخلق معادلة صعبة لتحقيق التوازن بين الطرفين. فالقانون بصيغته الحالية قد يحمل شبهة عدم دستورية، خاصة إذا تضمن إلغاء العقود القديمة بشكل كامل. يُذكر أن المحكمة الدستورية العليا كانت قد قضت في جلسة 5 مايو 2018 في الدعوى رقم 11 لسنة 2018 بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنته من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد...." لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكنى، وهو ما مهد لصدور القانون رقم 10 لسنة 2022.

مقترحات لتسوية الخلاف

يقترح الخبراء تنظيم القيمة الإيجارية بشكل تدريجي يحترم العقود القديمة، مع مراعاة حقوق الملاك في الحصول على عائد عادل من أملاكهم. كما يشددون على أهمية وضع آليات واضحة لتحديد قيمة الإيجار الجديدة، مع الأخذ في الاعتبار عوامل مثل موقع العقار، وحالته، ومساحته.

الخلاصة


سباق بين حلزونين، أحدهما يعبر خط النهاية. صورة طريفة ومبتكرة تعبر عن المثابرة وبلوغ الخاتمة.

يمثل قانون الإيجار القديم في مصر قضية معقدة تتطلب دراسة متأنية وتحقيق توازن دقيق بين حقوق الملاك والمستأجرين. الطعون الدستورية المقدمة للمحكمة الدستورية العليا ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل هذا القانون، وتأثيره على العلاقة بين الطرفين. من الضروري إيجاد حلول قانونية عادلة ومستدامة تضمن حماية الملكية الخاصة، وتوفير السكن اللائق للمواطنين، وتحقيق الاستقرار في السوق العقاري.

Next Post Previous Post
No Comment
Add Comment
comment url