السويداء: اتفاق هش وغارات إسرائيلية.. هل تصمد هذه المدينة السورية؟

السويداء في قلب الصراع السوري: اتفاق هش وغارات إسرائيلية


صورة تُظهر انفجارًا ضخمًا في منطقة سكنية ليلًا، مع تصاعد ألسنة اللهب والدخان الكثيف، مما يعكس شدة القصف والدمار.

في قلب الصراع السوري المعقد، تبرز محافظة السويداء جنوب سوريا، ذات الأغلبية الدرزية، كبؤرة توتر تتأرجح بين سعيها لتحقيق الاستقرار الداخلي وتأثيرات الصراعات الإقليمية المتشابكة. فبينما تسعى الأطراف المحلية إلى تهدئة الأوضاع والتوصل إلى حلول سلمية، تزداد التدخلات الخارجية، لا سيما الغارات الإسرائيلية، لتضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد السياسي والأمني لهذه المحافظة الحيوية.



اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء: أمل أم سراب؟


منظر طبيعي صحراوي عند الغروب، حيث يمتزج ضباب خفيف مع الأفق ليخلق شعورًا بالسراب، ممثلاً حالة عدم اليقين بين الأمل والخيال في اتفاق وقف إطلاق النار.

بعد فترة من المواجهات الدموية التي هزّت مدينة السويداء بين القوات الحكومية ومجموعات مسلحة، تم التوصل إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار بين الحكومة السورية ومشايخ الطائفة الدرزية. يهدف هذا الاتفاق إلى سحب قوات الجيش والأمن من داخل المدينة، والاعتماد على عناصر أمنية محلية لضبط الأمن، إضافة إلى نشر قوات الأمن الداخلي والشرطة من أبناء السويداء نفسها. يحظى هذا الاتفاق بتأييد واسع من غالبية أهالي السويداء وزعمائها الروحيين، وفي مقدمتهم شيخ عقل الطائفة الدرزية يوسف جربوع، الذين يرونه السبيل الأوحد لاستعادة الأمن والاستقرار للمدينة.



ومع ذلك، يواجه اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء تحديات جوهرية، أبرزها الرفض القاطع من جانب الزعيم الدرزي حكمت الهجري، الذي يصر على مواصلة القتال ضد القوات الحكومية. يرى الشيخ جربوع أن الهجري لا يمثل الأغلبية في المدينة، وأن المواجهات الأخيرة كشفت عن عجزه في مواجهة القوات الحكومية. هذا الانقسام الداخلي يضعف بشكل كبير من فرص نجاح الاتفاق ويجعل الوضع في السويداء عرضة للتدهور الأمني مرة أخرى.



التدخل الإسرائيلي: ذريعة الحماية وأجندات أخرى


صورة جوية تظهر الدمار الذي خلفته غارة إسرائيلية على أحد المباني في قطاع غزة، مما يعكس حجم التأثير العسكري للتدخل.

تفاقم الغارات الإسرائيلية المتواصلة على الأراضي السورية، بما في ذلك استهداف محافظة السويداء، من تعقيد المشهد الأمني وتثير المزيد من التوترات الإقليمية. تدعي إسرائيل أن هدفها من هذه الضربات هو حماية الدروز في سوريا، لكن هذه الذريعة تُقابل بشكوك واسعة، خصوصًا في ظل اتهامات من الحكومة السورية لإسرائيل باستهداف استقرار سوريا والسعي لخلق الفتن. يرى الشيخ جربوع أن هناك أطرافًا تستغل الوضع الراهن سلبًا ضد الطائفة الدرزية، بينما يؤكد زعماء الدروز إجماعهم على وحدة الأراضي السورية ورفضهم القاطع لأي تدخل خارجي.



تتزامن هذه الغارات مع اتهامات دمشق لإسرائيل بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية الضرورية إلى السويداء، ومنها قافلة طبية أرسلتها وزارة الصحة السورية. يثير هذا التطور تساؤلات جدية حول الدوافع الحقيقية وراء التدخل الإسرائيلي، وما إذا كانت أهدافه تقتصر بالفعل على حماية الدروز أم تتجاوز ذلك لتحقيق أجندات إقليمية أوسع.



السويداء: جزء أصيل من النسيج السوري


رجال من الطائفة الدرزية في أحد شوارع المدن السورية، في صورة تعبر عن التنوع والنسيج الاجتماعي في البلاد.

على الرغم من كل التحديات والصراعات التي تواجهها، تبقى السويداء جزءًا لا يتجزأ من النسيج الوطني السوري المتنوع. فقد أكد الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع أن "الدروز هم جزء أصيل من نسيج الوطن" وأن "سوريا لن تكون مكانًا للتقسيم". تعكس هذه التصريحات حرص القيادة السورية على الحفاظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيها، ورفضها المطلق لأي محاولة لتحويل الصراع إلى صراع طائفي يهدد النسيج الاجتماعي السوري.



نحو حل مستدام لتحقيق الاستقرار في السويداء


لمبة متوهجة ملفوفة بنباتات اللبلاب المزهرة، ترمز إلى الطاقة المستدامة والمستقبل الأخضر.

إن تحقيق الاستقرار الدائم في محافظة السويداء يتطلب حلولًا شاملة تتجاوز مجرد اتفاقات مؤقتة لوقف إطلاق النار. يجب أن تشمل هذه الحلول معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وتعزيز المصالحة الوطنية الحقيقية، وتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المحليين، وضمان توفير الخدمات الضرورية. كما يستدعي الأمر وقفًا فوريًا للتدخلات الخارجية، واحترامًا كاملًا لسيادة سوريا، ودعمًا غير مشروط لجهود السلام والاستقرار في المنطقة. ينبغي على المجتمع الدولي أن يلعب دورًا بناءً في هذا الصدد، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، وتشجيع الحوار الفعّال بين جميع الأطراف السورية، والضغط على إسرائيل لوقف غاراتها على الأراضي السورية. فقط من خلال هذه الجهود المتكاملة والمشتركة، يمكن تحقيق السلام الدائم والاستقرار المنشود في السويداء وفي سوريا بأكملها.



Next Post Previous Post
No Comment
Add Comment
comment url