نقش شيلواح: صراع تركيا وإسرائيل حول أثر عثماني يثير توترات إقليمية
أزمة نقش شيلواح: صراع تاريخي وسياسي بين تركيا وإسرائيل وتداعياته الإقليمية
مقدمة: يشهد الشرق الأوسط حاليًا توترات متزايدة تتجلى في صراعات متعددة الأوجه، بدءًا من النزاعات التاريخية حول الممتلكات الأثرية وصولًا إلى المواجهات السياسية الحادة المتأثرة بالأوضاع في غزة. وقد تجلت أحدث هذه التوترات في رفض الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تسليم إسرائيل نقش شيلواح (المعروف أيضًا بـ نقش سلوان) الأثري. هذا الرفض أثار غضبًا إسرائيليًا وأعاد إلى الواجهة قضايا تاريخية وسياسية بالغة التعقيد. يستعرض هذا المقال تفاصيل أزمة نقش شيلواح، ويكشف جذورها العميقة، ويسلط الضوء على تداعياتها الإقليمية الأوسع، مع تحليل دقيق للروايات المتضاربة والأبعاد السياسية الكامنة وراء هذا الصراع.
نقش شيلواح: قطعة أثرية في قلب الخلاف
يعود تاريخ نقش شيلواح المثير للجدل إلى حوالي 2700 عام، وتحديدًا إلى القرن الثامن قبل الميلاد. وقد اكتُشف هذا النقش الأثري في نفق تحت حي سلوان بالقدس إبان العهد العثماني. يُعرض النقش حاليًا في متحف إسطنبول الأثري، وهو يحمل كتابات بالخط العبري القديم تذكر اسم "شيلواح بن شلوميت"، الذي يُعتقد أنه اضطلع بمهام صيانة معبد سليمان. تُصنف إسرائيل هذا النقش كـ دليل تاريخي محوري على الوجود اليهودي في القدس، وقد طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستعادته على مدار سنوات طويلة.

سبقت مطالبات إسرائيلية عدة للحصول على هذا النقش الأثري؛ ففي عام 1998، طلب نتنياهو من رئيس الوزراء التركي الأسبق مسعود يلماز تسليمه، لكن طلبه رُفض آنذاك. وقد تكررت هذه المطالبات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، بالتزامن مع تصاعد التوترات السياسية بين تركيا وإسرائيل.
معلومات إضافية حول نقش شيلواح:
وصف نقش شيلواح
نص محفور بدقة على الحجر الجيري، أحد أقدم أمثلة الكتابة العبرية القديمة.
الأهمية التاريخية
يؤكد أعمال هندسية ضخمة في القدس خلال فترة الملك حزقيا، ويعتبر دليلاً لغويًا وتاريخيًا.
تاريخ الاكتشاف
اكتشف عام 1880 بواسطة صبي، ثم نُقل إلى متحف إسطنبول الأثري.
- وصف نقش شيلواح: يُعرف نقش شيلواح كـ نص محفور بدقة على قطعة من الحجر الجيري، ويُعد أحد أقدم الأمثلة الباقية على الكتابة العبرية القديمة. يوثق النقش إنجاز بناء نفق حزقيا، وهو نفق مائي يبلغ طوله 533 مترًا، وقد حُفر لتأمين إمدادات المياه لمدينة القدس خلال حصار الآشوريين للمدينة. المصدر
- الأهمية التاريخية لنقش شيلواح: يُعتبر هذا النقش ذا أهمية قصوى لدراسة اللغة العبرية القديمة و تاريخ القدس في فترة العهد القديم. فهو يؤكد وجود أعمال هندسية ضخمة في المدينة خلال فترة حكم الملك حزقيا.
- تاريخ اكتشاف نقش شيلواح: اكتُشف النقش لأول مرة في عام 1880 على يد صبي كان يلعب داخل النفق. بعد اكتشافه، نُقل نقش شيلواح إلى متحف إسطنبول الأثري حيث يظل معروضًا حتى يومنا هذا. المصدر
رفض أردوغان وتسليم نقش شيلواح: تصعيد الموقف
موقف تركيا الرافض لتسليم نقش شيلواح
تركيا لن تتنازل عن تراث القدس وتؤكد على تسليمه لدولة فلسطين.
رفض الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بشكل قاطع تسليم نقش شيلواح إلى إسرائيل. وأكد أردوغان مرارًا أن القدس تمثل شرفًا للمسلمين، مشددًا على أن تركيا لن تتنازل عن أي جزء من تراثها التاريخي. كما اتهم أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، بـ"إثارة الكراهية" ضد تركيا بسبب قضية النقش. وأوضح الرئيس التركي أن نقش شيلواح ليس ملكًا لإسرائيل، بل هو جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي للقدس المحتلة.
أكد مسؤولون أتراك رفيعو المستوى أن تركيا لن تسلم هذا الأثر التاريخي إلا لـ دولة فلسطين. واعتبروا أن أي اعتراف بـ إسرائيل كدولة ذات سيادة على القدس سيعني بشكل صريح تشرعنة الاحتلال. هذا الموقف الحازم يعكس بوضوح استراتيجية تركيا الدائمة في دعم القضية الفلسطينية سياسيًا وثقافيًا، خصوصًا في سياق الحرب على غزة المستمرة.
خلفيات تاريخية وروايات متضاربة حول نقش شيلواح
الرواية الإسرائيلية
- هدف تركيا: إنكار صلة اليهود بالقدس وإخفاءها.
- سبب الرفض السابق: مخاوف من رد فعل إسلامي قوي.
- أهمية النقش: دليل محوري على الوجود اليهودي في القدس.
الموقف التركي الثابت
- القدس: أرض محتلة لا سيادة إسرائيلية عليها.
- القانون الدولي: يحظر نقل الآثار من الأراضي المحتلة.
- القضية الفلسطينية: دعم سياسي مطلق وحماية للمقدسات.
- استخراج النقش: لم يتم بشكل قانوني من القدس.
تزعم الرواية الإسرائيلية أن تركيا ترفض تسليم نقش شيلواح بهدف إنكار أو إخفاء صلة اليهود بالقدس. وتُصر هذه الرواية على أن رفض رئيس الوزراء الأسبق يلماز في عام 1998 كان بدافع مخاوف من رد فعل إسلامي قوي، يُعتقد أن أردوغان، الذي كان حينها رئيسًا لبلدية إسطنبول، كان سيقوده. ومع ذلك، نفت مصادر تركية رسمية وشهود عيان هذه الادعاءات بشدة، مؤكدين أن الموقف التركي الثابت يستند إلى عدة أسس رئيسية:
- الرفض القاطع للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس، التي تعتبرها تركيا أرضًا محتلة بموجب القانون الدولي.
- الالتزام الراسخ بالقانون الدولي، الذي يحظر نقل الآثار من الأراضي المحتلة.
- الدعم السياسي المطلق للقضية الفلسطينية، حيث ترى تركيا نفسها حامية للمقدسات الإسلامية في القدس.
إضافة إلى ذلك، أشارت مصادر موثوقة إلى أن نقش شيلواح لم يُستخرج بشكل قانوني من القدس. فقد نُقل هذا الأثر إلى إسطنبول بواسطة العثمانيين خلال فترة حكمهم، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول ملكية الأثر الحقيقية ومكان عرضه الشرعي.
أزمة نقش شيلواح في سياق التوترات الإقليمية الأوسع
- الحرب على غزة: يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تكثيف هجومه الإعلامي والسياسي ضد مصر وقطر وتركيا. يهدف هذا الهجوم إلى تبرير استمرار الحرب في غزة وصد الإدانات الدولية المتزايدة لـ جرائم الحرب الإسرائيلية.

- مصر: اتهمها نتنياهو بـ عرقلة تهجير الفلسطينيين ورفض فتح معبر رفح بشكل دائم، مما يزيد من تعقيدات الوضع في غزة.
- قطر: وجه إليها نتنياهو اتهامات بتمويل "حصار إعلامي" ضد إسرائيل وتقديم دعم مالي وسياسي لحركة حماس، مطالبًا إياها بطرد قادة الحركة.
- تركيا: اتهمها بتبني مواقف معادية للقدس وتقديم دعم لحركة حماس، بالإضافة إلى رفضها القاطع تسليم نقش شيلواح.
- الأبعاد السياسية الداخلية لإسرائيل: تُفسر تصريحات نتنياهو بأنها محاولة استراتيجية تهدف إلى:
- تشتيت الرأي العام الإسرائيلي بعيدًا عن فشل الحرب في غزة وتصاعد الضغوط الدولية.
- تهيئة الأجواء لمواجهة محتملة مع مصر، خاصة بعد إطلاق تصريحات مثيرة للجدل حول "تهديدات أمنية" محتملة من سيناء.
- إضعاف الدول الإقليمية التي تُعتبر منافسة لـ إسرائيل، وإطالة أمد الحرب في غزة بغية تأجيل الانتخابات وحماية مستقبله السياسي.
الاستنتاجات والتداعيات المحتملة لأزمة نقش شيلواح
تُظهر أزمة نقش شيلواح بوضوح أن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يتجاوز كونه مجرد نزاع على الأراضي، ليمتد إلى أبعاد أعمق تشمل:
- صراعًا على الهوية والتاريخ: حيث تستغل إسرائيل الآثار التاريخية لتبرير مزاعم سيادتها على القدس، في حين ترفض تركيا هذه الرواية وتشدد على الهوية الإسلامية العميقة للمدينة.
- استغلال التراث الثقافي لأغراض سياسية: فقد تحول نقش شيلواح إلى رمز محوري للصراع بين الروايات التاريخية المتضاربة.
- تصعيد التوترات الإقليمية: من المتوقع أن تُسهم هذه الأزمة في تعميق الخلافات القائمة بين تركيا وإسرائيل، خاصة مع احتمالية توسع نطاق الحرب في غزة أو تزايد الضغوط على الدول الداعمة لـ الفلسطينيين.

في ظل هذه التطورات المعقدة، يصبح من الضروري اتخاذ إجراءات حاسمة تشمل:
- تهدئة التوترات الراهنة من خلال حوار دولي بناء يهدف إلى حماية التراث الثقافي ومنع استغلاله لأغراض سياسية.
- الالتزام الصارم بالقانون الدولي المتعلق بـ الآثار في المناطق المحتلة، مع التأكيد على ضمان حق الفلسطينيين في تراثهم الأصيل.
- البحث عن حلول عادلة وشاملة لـ القضية الفلسطينية، بعيدًا عن أي استغلال إعلامي أو سياسي للأزمات الثقافية.
إن استمرار أزمة نقش شيلواح دون إيجاد حلول فعالة قد يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب والتوتر في المنطقة، مما يزيد من صعوبة التوصل إلى تسوية سلمية دائمة للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
تداعيات قانونية وسياسية لأزمة نقش شيلواح:
القانون الدولي للآثار
اتفاقيات دولية، مثل اتفاقية لاهاي 1954، تؤكد إعادة الآثار من الأراضي المحتلة لموطنها الأصلي.
تأثير على العلاقات الدبلوماسية
من المرجح أن تؤدي الأزمة إلى تفاقم وتدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل.
دور اليونسكو في حل الأزمة
يمكن للمنظمات الدولية كاليونسكو التوسط لحماية التراث الثقافي والالتزام بالقانون الدولي.
- القانون الدولي للآثار: تؤكد العديد من الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية لاهاي لعام 1954 الخاصة بـ حماية الممتلكات الثقافية في أوقات النزاع المسلح، أن الآثار المكتشفة في الأراضي المحتلة يجب أن تُعاد إلى موطنها الأصلي بمجرد انتهاء الاحتلال. تستند تركيا إلى هذه المبادئ الأساسية في رفضها تسليم نقش شيلواح لإسرائيل، معتبرة أن القدس هي أرض محتلة. المصدر
- التأثير على العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل: من المرجح أن تؤدي هذه الأزمة إلى تفاقم وتدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل، خصوصًا في ظل التوترات الحالية المتعلقة بـ القضية الفلسطينية و غزة. وقد تمتد تداعيات ذلك لتؤثر سلبًا على مجالات التعاون الأخرى، مثل التجارة والأمن.
- دور اليونسكو في حل الأزمة: قد تلعب المنظمات الدولية مثل اليونسكو دورًا محوريًا في التوسط لإيجاد حل لـ أزمة نقش شيلواح. وذلك من خلال التأكيد على الأهمية القصوى لـ حماية التراث الثقافي وضرورة التزام الدول بالواجبات المنصوص عليها بموجب القانون الدولي.