المملكة المتحدة وقانون السلامة عبر الإنترنت: هل أصبح إثبات العمر عقبة أمام تصفح الإنترنت؟
قانون السلامة عبر الإنترنت في المملكة المتحدة: التحديات والتداعيات
فكرة القانون وأهدافه
في يوليو الماضي، شرعت المملكة المتحدة في تطبيق بنود أساسية من قانون السلامة عبر الإنترنت، وهو تشريع مصمم لتعزيز حماية الأطفال والبالغين في الفضاء الرقمي، عبر فرض واجبات جديدة على منصات التواصل الاجتماعي وخدمات البحث. ويُعد "التحقق من العمر" أحد أبرز هذه الالتزامات، حيث يهدف إلى حماية المستخدمين من الوصول إلى محتوى غير لائق، مثل المواد الإباحية، والمحتوى الذي يروج لإيذاء النفس، واضطرابات الأكل، والانتحار، بالإضافة إلى المحتوى الذي يصور أو يشجع على العنف الجسيم.

صعوبات التطبيق والمقاومة
قد تبدو الفكرة الجوهرية منطقية، وهي منع وصول الأطفال إلى محتوى ضار أثناء تصفحهم للإنترنت. لكن محاولة المملكة المتحدة لفرض هذا الحل تشريعيًا واجهت صعوبات حتى الآن. فالشركات تجد نفسها في حيرة بشأن كيفية الامتثال، والمستخدمون غير راضين عن آليات التحقق المقترحة، التي على الرغم من طبيعتها المتطفلة، لا تبدو فعالة. وقد حدد مكتب تنظيم الاتصالات البريطاني (Ofcom) مجموعة من الخيارات للتحقق من العمر، تشمل تقدير العمر عبر تقنية التعرف على الوجه، أو التحقق من خلال مزودي البطاقات الائتمانية أو البنوك أو شركات الاتصالات، أو مطابقة وثيقة هوية رسمية مع صورة شخصية (سيلفي)، أو استخدام "محفظة هوية رقمية" تحتوي على إثبات للعمر.

على أرض الواقع، التطبيق لا يسير كما هو مخطط له. فالأنظمة التي تستخدمها منصات مثل Reddit وDiscord يمكن التحايل عليها بسهولة باستخدام لقطات شاشة من لعبة "Death Stranding". كما تشهد تنزيلات الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، التي تتيح للمستخدمين إخفاء موقعهم الجغرافي، ارتفاعًا ملحوظًا. ويقوم Reddit بحظر المستخدمين من الوصول إلى منتديات فرعية تنشر أخبارًا ولقطات من غزة وأوكرانيا ما لم يقدموا إثبات هوية، كما أن منتديات أخرى أقل عنفًا بدأت تحذو حذوها. ووفقًا للمراسلة تايلور لورينز، يُطلب من المستخدمين البريطانيين التحقق من أعمارهم للوصول إلى منتديات مثل 'r/periods' (الدورة الشهرية)، 'r/stopsmoking' (التوقف عن التدخين)، 'r/stopdrinking' (التوقف عن الشرب)، ومنتديات أخرى تقدم دعمًا مجتمعيًا حيويًا لمستخدمين من بينهم قاصرون، مثل 'r/sexualassault' (الاعتداء الجنسي).

جهود الشركات وحلولها
في المقابل، تتسابق الشركات لتطوير أو الاستحواذ على أدوات متنوعة لتحديد العمر. منصة Spotify تستخدم مسح الوجوه، بينما يعتمد YouTube على الذكاء الاصطناعي لتحليل إشارات متعددة لتقدير ما إذا كان عمر المستخدم يتجاوز 18 عامًا، وهو إجراء يمكن تخطيه باستخدام بطاقة هوية حكومية. أما منصة X (تويتر سابقًا)، التي تحتوي على كم كبير من المحتوى الإباحي والمخصص للبالغين، فتعتمد على تقدير أعمار المستخدمين، لكن يبدو أن نظامها لا يعمل بكفاءة ودون وجود آلية واضحة للاعتراض.
الخصوصية وحرية التعبير: التداعيات الأوسع
من المبكر الحكم على النتائج النهائية لتطبيق هذا القانون بالكامل، لكن تداعياته الأولية واضحة: بالنسبة للأطفال المصممين على تخطي القيود، يظل التحايل سهلًا نسبيًا؛ أما بالنسبة لجميع المستخدمين الآخرين، الذين أصبحوا فجأة مطالبين بإثبات أعمارهم، فيمثل القانون انتكاسة كبيرة للخصوصية. وقد أشارت مؤسسة الحدود الإلكترونية (EFF) إلى أن سعي المملكة المتحدة المحموم لإيجاد طريقة فعالة للتحقق من العمر يثبت عدم وجود حل واحد مثالي، وقد حان الوقت للسياسيين أن يدركوا هذه الحقيقة. يشكل قانون السلامة عبر الإنترنت تهديدًا مباشرًا لخصوصية المستخدمين، ويقيد حرية التعبير من خلال فرض رقابة على المحتوى، ويعرض المستخدمين لخطر التمييز الخوارزمي عبر أنظمة مسح الوجه، ويؤدي إلى إقصاء ملايين الأشخاص الذين لا يملكون أجهزة شخصية أو وثائق هوية من الوصول إلى الإنترنت.

اتجاه عالمي نحو التحقق من الهوية
قانون المملكة المتحدة المبالغ في حماسته، والذي يندرج ضمن تاريخ طويل من تجاهل الحريات المدنية والخصوصية لصالح الرقابة، قد لا يبدو مشكلة كبرى بحد ذاته. لكنه يعكس اتجاهًا عالميًا أوسع نطاقًا، حيث تنتشر قوانين التحقق من العمر والهوية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة. فمؤخرًا، أيدت المحكمة العليا، في تراجع عن سوابق قضائية، قانونًا للتحقق من العمر في تكساس. كما أصدر نصف الولايات الأمريكية تقريبًا، ومعظمها ذات إدارات محافظة، تشريعات مشابهة في النوايا والتطبيق، غالبًا تحت ذريعة حماية القاصرين من المواد الإباحية. ورغم أن العديد من الخدمات تتطلب بالفعل التحقق من الهوية (مثل أي خدمة تتطلب بطاقة ائتمان أو استئجار سكوتر كهربائي)، فإن هذه القوانين الجديدة ترسم ملامح إنترنت مختلف تمامًا: إنترنت يتطلب منك الكشف عن هويتك قبل أن تتمكن من فعل أي شيء تقريبًا.
