الشرق الأوسط واللعبة الكبرى: كيف شكّلت التدخلات الغربية ثورة يوليو؟
صراع النفوذ في الشرق الأوسط: كتاب "سادة الصحراء" وثورة يوليو المجيدة

"سادة الصحراء": كشف النقاب عن التدخلات الغربية في الشرق الأوسط

الشرق الأوسط: شهد الشرق الأوسط، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تصاعدًا في صراع النفوذ الخفي بين القوتين العظميين، الولايات المتحدة وبريطانيا. هذا الصراع، الذي كشف عنه المؤرخ البريطاني جيمس بار في كتابه المثير "سادة الصحراء"، لم يقتصر على المناورات الدبلوماسية المعقدة، بل امتد ليشمل التدخلات المباشرة في الشؤون الداخلية للدول العربية، والانقلابات السرية المخطط لها، والحملات الدعائية السياسية المكثفة. يستعرض هذا المقال أبرز محاور هذا الصراع على النفوذ، بدءًا من الدور المحوري للجاسوس الأمريكي كيم روزفلت في مصر، مرورًا بالانقلاب على رئيس الوزراء مصدق في إيران، وصولًا إلى محاولات تقويض نظام الزعيم جمال عبد الناصر، وكيف انعكس كل ذلك على الذاكرة الجماعية العربية، كما يتجلى في الاحتفال بذكرى ثورة يوليو الخالدة.
الولايات المتحدة: لم يتوقف التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول العربية مقتصرًا على مصر. ففي إيران، يكشف كتاب "سادة الصحراء" عن تفاصيل دقيقة للانقلاب الأمريكي البريطاني المشترك الذي وقع عام 1953، والذي استهدف رئيس الوزراء محمد مصدق، الذي كان يسعى بشجاعة إلى تأميم صناعة النفط الإيرانية. هذا الجريء، الذي هدد بشكل مباشر مصالح الشركات النفطية الغربية العملاقة، أدى إلى أزمة سياسية حادة، وأظهر بوضوح مدى استعداد القوى الغربية لتقويض الحكومات التي لا تتماشى سياساتها مع مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية. كما يكشف الكتاب عن محاولات بريطانية جدية لاغتيال الزعيم جمال عبد الناصر، وتقديم نصائح من رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد بشن ضربة عسكرية ضد عبد الناصر، مما يعكس حالة من الهلع الشديد في الأوساط البريطانية من صعود المد القومي العربي.
ثورة يوليو المصرية: محاولات الاستمالة والسيطرة على السلطة

المملكة: بعد النجاح المذهل لثورة يوليو في مصر، حاول الملك فاروق استمالة الضباط الأحرار وكسب ولائهم، كما يوضح الفيلم الوثائقي الذي تبثه قناة وثائقية. يبيّن الفيلم أن الملك أرسل صهره، مصطفى صادق، إلى الضباط الأحرار لمعرفة مطالبهم وتطلعاتهم، في حين أرسل الضباط بدورهم مندوبًا إلى الملك لإملاء شروطهم الحاسمة، والتي تضمنت إقالة حكومة نجيب الهلالي على الفور وتعيين علي باشا ماهر رئيسًا للوزراء. هذه المحاولات، التي يمكن مقارنتها بالشروط الصارمة التي فرضها أحمد عرابي على الخديوي في وقت سابق من التاريخ المصري، تؤكد على رغبة الملك الجامحة في الحفاظ على سلطته ونفوذه بأي ثمن ممكن.
إحياء الذاكرة الوطنية: ثورة يوليو في ثقافة أسيوط
الحرية: على الرغم من محاولات التدخل الأجنبي الخارجي المستمرة، ظلت ثورة يوليو رمزًا راسخًا للتحرر الوطني وتحقيق العدالة الاجتماعية في الذاكرة العربية الجمعية. في مدينة أسيوط المصرية، على سبيل المثال، تحتفل المؤسسات الثقافية المحلية بذكرى الثورة بسلسلة متنوعة من الفعاليات الثقافية والتوعوية في مواقع ثقافية متعددة. تتضمن هذه الفعاليات محاضرات ولقاءات فكرية معمقة تناقش الأبعاد التاريخية والفكرية للثورة، وأثرها العميق في تحقيق العدالة الاجتماعية، وإنجازاتها الكبرى مثل تأميم قناة السويس، وتنفيذ الإصلاح الزراعي الشامل، وتعميم مجانية التعليم. تهدف هذه الفعاليات بشكل أساسي إلى تعزيز الوعي بالتاريخ الوطني المجيد وترسيخ قيم الانتماء والوطنية لدى الأجيال الجديدة.
خاتمة: إرث صراع النفوذ وأهمية ثورة يوليو المجيدة
إرث: لقد كشف كتاب "سادة الصحراء" النقاب عن جانب مظلم وخفي من تاريخ العلاقات بين الشرق الأوسط والقوى الغربية، وأظهر بوضوح كيف تم استخدام المنطقة كساحة واسعة لصراع النفوذ والسيطرة. في المقابل، تجسد ثورة يوليو, وما تلاها من إنجازات تاريخية عظيمة، الرغبة العميقة للشعوب العربية في تحقيق الاستقلال التام والتحرر من الهيمنة الخارجية بجميع أشكالها. إن إحياء ذكرى هذه الثورة ليس مجرد استعادة للماضي أو حنين إليه، بل هو تأكيد مستمر على الأهمية القصوى للحفاظ على السيادة الوطنية، والسعي الدؤوب نحو تحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة، والعمل المتواصل من أجل تحقيق التنمية المستدامة والرخاء للمنطقة بأسرها.